بقلم : المختار أعويدي

المختار أعويدي

 

يكاد، بحكم التقليد والتشبه والتكرار والإستنساخ، رسم صورة نمطية مظهرية “للمناضل”، وتكريس بعض المواصفات والعلامات الدالة ـ وهماً ـ على صفة “النضال”، في مجتمعنا هذا، الذي تسري فيه وتحكمه أحيانا، بعض القيم السلبية، من قبيل الشغف بالمظاهر، والحرص على التقليد الأعمى للآخر. سواء بدافع الإعجاب، أو بدافع الرغبة في إضفاء الهالة على الذات، أو بدافع تحقيق حاجة وتوازن نفسي ليس إلا. وهذه بعض تلك المواصفات:
• أن تملك قاموسا من الألفاظ “النضالية”، سياسية كانت، أو حقوقية، أو اجتماعية.. أو هي مجتمعة أو بعضها. والتي عليك أن تستعرضها، أو بالأحرى أن تستظهرها، في كل محطة ومناسبة. سواء أكانت اجتماعا، أو تجمعا، أو وقفة، أو تظاهرة أو مسيرة أو حتى مناقشة عادية.
• أن تكون لك قدرة على حفظ مجموعة من الشعارات الرنانة والطنانة، التي ينبغي لك استظهارها وترديدها، متى ما تيسرت لك الفرصة لفعل ذلك، بهدف إلهاب حماس الآخرين وكسب إعجابهم، وخاصة خلال الوقفات والتظاهرات والإجتماعات..
• أن تكون لك قدرة على شحذ صوتك وتقويته وتطويعه، عن طريق الصياح والصراخ في مكبرات الصوت، والزعيق والنعيق في مختلف المناسبات، وبالتالي القدرة على إثارة الجعجعة والضجيج “النضالي”. المرفوقة عادة بالتلويح بشارات النصر الثنائية أو الثلاثية الأصابع.
• أن تكون دائما مهيئا لارتجال الكلمات الخطابية، المسبوقة بمقدمات طللية “نضالية” عنيفة مكررة مكرورة، تتحدث فيها بلغة الوعد والوعيد، واليقين الواثق من النصر.
• ولا بأس بعدما يتقدم بك المراس في مجال “النضال”، ويبدأ الشيب والصلعة يغزوان رأسك، أن تقتني لك نوعا خاصا من القبعات )القبعة المسطحة casquette plate ، أو قبعة موزع الصحف: وهي قبعة دائرية مسطحة في أعلاها، وممتدة قليلا إلى أمام الجبهة( يكاد لا يحملها سوى “المناضلون المتمرسون”. ويكون الأمر أكثر تأثيرا وجاذبية “نضالية”، إذا ما أُرفقت بمعطف من النوع الكبير (manteau trois cart) وأيضا بكوفية فلسطينية، أو كوفية طويلة فاقعة اللون. أو حتى نظارات سوداء، تغطي معظم قسمات الوجه، التي يعلوها “الحزم” والغضب والتحفز.
• أن يكون مجمل حديثك اليومي، يتمحور حول البيانات، والبلاغات، والوقفات، والإضرابات، والحوارات، والمكتسبات والملفات.. بالمختصر المفيد، أن يكون حديثك “نضاليا” بالكامل.
• أن تصر على تسجيل حضورك في كل اللقاءات والوقفات والمناسبات، حتى يكون “سجلك النضالي” مؤثثا ومرصعا، وعامرا بالفتوحات “النضالية”..
إنك بمثل هذه المواصفات، يمكن أن تصير “مناضلا كاملا” يُهاب جانبه. ولا يهم بعد كل ذلك، أن تكون انتهازيا، أو وصوليا، أو مقصرا في واجبك المهني، أو شبحا، أو صفر التكوين، أو حتى نذلا حقيرا.. لأنك قد برهنت بما لا يدع مجالا للشك، على صفتك، وأهميتك، وقيمتك “النضالية” !! وحُزت بجدارة واستحقاق صك “النضال”، وشهادة “النضالية والتفاني”.. !!