بقلم : نور الدين زاوش

نورالدين

 

 

لا يحتاج المرء إلى فطنة أو ذكاء، كي يعلم أن خطوات جلالة الملك مدروسة بدقة بالغة، ومواقفه محسوبة بدراية متناهية، وحتى كلمات خطاباته فهي منتقاة بعناية شديدة، وأن جميع ما بدر منه، صغيرا كان أو كبيرا، من المفروض أن يكون نابعا من حكمة وروية وعمق، فلا مجال للعفوية أو الارتجالية، هذا وحده ما يضفي الشرعية على تحليلاتنا وتأويلاتنا، ونحن نستغرق في أدق التفاصيل الصادرة عن جلالته، وهو أيضا ما يلهمنا في التقاط الإشارات، وفهم الرسائل، وأخذ الدروس والعبر.

إن نجاح المسار السياسي في بلدنا الحبيب شاق ومضن، ولا سبيل لإنجاح العملية الديمقراطية فيه بين يوم وليلة، وإن انخراط جلالة الملك في إصلاح المنظومة السياسية، قد ألقى على عاتقه مسؤولية إسداء النصح الواجب للسيد رئيس الحكومة، وإعطائه، بين الحين والحين، دروسا بالغة، وعبرا خالدة، يستنير بنورها في مسالك السياسة الوعرة، ويستبصر بهديها في دواليب الحكم المعقدة، خصوصا وأنه  صفر اليدين، وخاوي الوفاض، من تجارب تسيير الدولة، عدا إدارة حزب سياسي فيه كثير من اللغط، وحركة دعوية بسيطة لا يكاد يعرفها أحد.

الدرس الأول: من كان بيته من زجاج لا يلق الناس بالحجارة.

لقد تم القبض على رئيس جماعة ميدلت متلبسا بقضية رشوة في وضح النهار، والكارثة أن بطل هذه الفضيحة المدوية عضو من حزب العدالة والتنمية “الإسلامي”، فليس من المحتمل أن يكون تعيين جلالة الملك السيد عبد الإلاه بنكيران رئيسا للحكومة بهذه المدينة اعتباطا، أو من باب الصدفة، إلا أن يكون درسا بليغا، وإشارة لبيبة، مضمونها أن ينأى رئيس الحكومة وقياديو حزبه عن خطاب الطهرانية، والنرجسية، والتغزل بالذات، ويكفوا عن تنجيس الآخر وتدنيسه، مثلما كان يُفعل، ولا يزال، بالخصوم السياسيين أو المخالفين.

الدرس الثاني: لا يقدم العاقل اليوم، على ما سيتحتم عليه الاعتذار عنه غدا.

لقد اتهم السيد رئيس الحكومة السيد “الهمة” بأنه مهندس الانتخابات، وأمعن الطعن في شخصه، وغالى في النيل من سمعته وتاريخه، من غير وجه حق، وبلا بينة أو دليل، وبعدما تربع على عرش الحكومة، عيَّن جلالة الملك السيد “الهمة” مستشارا له، وهي رسالة قوية وواضحة للسيد بنكيران وصحبه، مفادها أن العاقل في عالم السياسة لا يستعجل الخصومات، ولا يستقدم العداوات، وأن السياسة مد وجزر، وكر وفر، فلا شيء فيها يدوم على حال، ومن ثم، وجب على السياسي أن يحفظ لسانه، ويكبت انفعالاته، فلا يحشر السياسيين في خندق المعارضة غير حصائد ألسنتهم.

وبالفعل، فقد تحول السيد “الهمة”، من المغضوب عليه بتهمة هندسة الانتخابات، إلى المرضي عنه بسبب هندسته الناجحة للنسخة الثانية لحكومة “الإسلاميين”، بشهادة رئيسها الذي أثنى عليه هذه المرة، وأغدق عليه بالشكر والامتنان، على حسن تدبيره، وأناقة هندسته.

الدرس الثالث: ليس من شيم العقلاء نكران الجميل.

بعدما فاز فريق الرجاء البيضاوي بالمرتبة الثانية في بطولة كأس العالم للأندية، استدعى جلالته أعضاء الفريق لتكريمهم، ولم يفته أن يستدعي معهم السيد “محمد فاخر” المدرب السابق لفريق الرجاء، والذي ودعه أياما قليلة قبل بداية هذه البطولة، كما استدعى جلالته رئيس الحكومة لهذا التكريم، عله يفطن إلى هذا الدرس البليغ في رد الجميل، ويستوعب هذا المعنى الجليل في العرفان بأفضال السابقين، فيتوقف عن تبخيس الناس أشياءَهم، والتهوين من مجهوداتهم، وكأن الذين سبقوه إنما هم شر محض، وبلاء خالص، وأنه وحده جالب الاستقرار، وقاهر الأشرار، ومنقذ الأمة، ولولاه لأصاب المغرب ما أصاب أقطارا عربية من فتنة وقتل ودمار.

الدرس الرابع: الدولة باقية والسياسيون زائلون.

إن هذا الاستقبال يشير أيضا بأن جلالته يقر باستمرارية الإدارة في الشأن الرياضي، فعلى بنكيران وصحبه أن يفطنوا إلى أن استمرارية الإدارة في الشأن السياسي من باب الأولى والأجدر، وهذا ما يلزمه بتنفيذ الاتفاقيات التي أبرمتها الدولة مع معطلي 20 يوليوز في وقت سابق، بغض النظر عن باقي الحيثيات.

للأسف الشديد، فلا رئيس حكومتنا الموقر، ولا حزبنا “الإسلامي” المرموق، قد التقط الإشارات، أو استوعب الدروس، أو رجع عن الغي والضلال، فمازال، إلى اليوم، خطاب: “أنا النوراني، والآخر شيطان” ساري المفعول في حزبنا العتيد، وآخرها وَصْف رئيسنا مجلس المستشارين بمجلس العبث، فقط لأن أعضاءه مارسوا حقهم الطبيعي في التعبير عن رأيهم في قانون المالية الهزيل، ومازالتْ، إلى اليوم، سلوكيات الكبر والعجرفة والتعالي على الآخر تستحوذ على فكرنا ومواقفنا وتصريحاتنا، وما وَصْف رئيس الحكومة المعارضين بالكراكيز، أو قوله لهم: “غادي نَتْبُورَدْ حِيتْ الشعب يَبْغِيني، ومازال غادي نتبورد” إلا غيضا من فيض.

خلاصة:

إما أن هذا الشعب المسكين لا يحبك يا رئيس الحكومة، أو أعلن انشقاقي عن هذا الشعب، وانضمامي للشعب الحر.