بقلم : الخضير قدوري

تاوريرت مدينة تحتضر

 

منذ أكثر من سنة دخلت مدينة تاوريرت في حالة ركود وجمود في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية وظلت كل مشاريعها معطلة يتولى النمل فيها دور الإنسان عبارة عن أطلال مهجورة تعمر أركانها البومة وتملا جنباتها الصراصير ومازالت الأشغال فيها متوقفة إلى اجل غير مسمى وقد شلت الحركة فيها إلى حين فالمسئولون يتقابلون على خريطتها كلوحة شطرنج منهمكين في البحث عن مخارج بوفاضات مليئة وحمولات ثقيلة والساسة فيها منشغلون بستر سوءاتهم المكشوفة وإخفاء عوراتهم المفضوحة مصداقا لقول القائل ” لقد انغمس في اللهو الرعاة فمت يا بعير واخفقي يا شاة ”
بذلك أصبحت تاوريرت ليس باعتبارها عاصمة إقليم وإنما شبه مدينة قد أتى عليها حين من الدهر كأنها لم تكن شيئا مذكورا إلى أن باتت من حيث الشكل قرية من القرى التي أهلكها الله بفعل مترفيها المفسدين فيها وهي لا تكاد تختلف عن أنقاض ” تدمر وبعلبك وارم ذات العماد ” حتى أضحت تحتل الرتبة التي لا تحسد عليها في صف أمثالها على المستوى الجهوي فيما يتعلق ببنيتها التحتية الهشة التي تجعلها في نظر زائريها قلما ترقى إلى مستوى قرية نموذجية وبالأحرى مستوى عاصمة إقليم مخجلة
تظهر بمظهر عجوز شمطاء شاخت قبل أوانها وترهلت حتى أصبحت كل المساحيق التي يحاول المنكلون إضفاءها على محياها لم تجد إخفاء الندب البينة للعيان لتبقى هذه المساحيق مجرد طلاءات غير متناسقة لا تضفي عليها جمالية الفتوة وأصباغ غير منسجمة لا تعكس لها عنفوان الشباب إنها مدينة في حالة احتضار بطيء بات جسمها أشبه ما يكون بهيكل عظمي ومرتع للجعل وللجراثيم التي بقيت وحدها النشيطة العاملة دوما على قطع مسالك الحياة حتى ليبدو حاله لا يختلف عن حال أي جسم منهك نخر مريض مستلق على سريره المتواضع في غرفة الإنعاش وقد أغلقت دونه كل النوافذ والأبواب الرئيسية التي منعت حتى الإطلال عليه من وراء الزجاج وأبت أن لا تفعل قبل الإعلان عن وفاته النهائية
فان كان حتما على جسم هذه المدينة أن يتوارى عن الأنظار تحت أطباق الثرى بفعل فاعلين فان التاريخ يأبى إخفاء ملامحها ويكره الزمان إتلاف معالمها التي ستظل ماثلة للعيان وكما سيظل رسمها عالقا بالأذهان ظاهرا كشبح يطارد هؤلاء الجشعين نهارا وكابوسا يجثم على بطونهم المنتفخة ليلا وسيبقى حال مدينة تاوريرت وصمة عار موشومة على جبين كل الساهرين على شأنها من قريب أو بعيد ممن يتفرجون عليها من وراء زجاج مكاتبهم العالية متشفين فيها ويجوبون شوارعها بسياراتهم المهداة ملوثين فظاءاتها بدخانها بعد أن اسقطوا عن وجوههم أقنعة الحياء لكن لا احسب ذلك سيشفع لأبناء هذه المدينة كيفما كانوا وأينما كانوا حينما ينعتون بالجبن والذل والهوان وقلما سيرحم التاريخ ضعفهم او يعفو الزمان عن ذلهم وهوانهم
ترى لمن سيشكو المستضعفون من أبناء هذه المدينة البررة الأوفياء الم أمهم وأوجاعها وهم قلة بين اللقطاء قلما يجدون لنصرتها حيلة أو قوة فلمن سيتوجهون بالشكوى إذا لم يكن مخلصها جراحا قادرا على استئصال الداء المستعصي الذي يعلقون عليه كل الآمال في الشفاء راجين مخلصين أن لا يحول دونه القدر فيسبق إليها الفناء إنهم في انتظاره على أحر من الجمر. ترى متى سيصل هذا المنقذ الرحيم والمخلص الكريم الذي قد يعيد إليهم البسمة والشعور بالحياة في هذه المدينة البائسة التي ضاق بهم فضاؤها كما ضاقت ذرعا بمن يفسدون فيها ويلوثون صفاء سمائها ونقاء أرضها ترى متى سيريهم الله فيهم العبر وهم يتعوذون به من ضعف جعلهم يستعجلون وعده وهو آت لا محالة إلا إذا كان التغير ما بأنفسهم شرطا ليغير الله ما بهم