بقلم : الخضير قدوري

المغرب و هولندا

 

       بعد سعيها لتخفيض نسبة التعويضات العائلية لمستحقيها من أبناء أفراد جاليتنا المقيمين بالمغرب ،هاهي الحكومة الهولندية مرة أخرى تسعى  لإلغاء اتفاقيتها المبرمة مع حكومة المغرب بخصوص الضمان الاجتماعي ،إن دل ذلك على شيء 

إنما يدل على توجه حكومة هذه الدولة إلى تضييق الخناق على أفراد جاليتنا المقيمين هناك، والعائدين من هناك وفرض أي قانون قد يخضعهم للقبول بالأمر الواقع ،وتضع أفراد جاليتنا المقيمين بهولندا على الاختيار بين الإقامة بصفة نهائية في هذه الدولة ،أو حزم حقائبهم للرحيل عنها إلى مغربهم، وكأن لسان حالها يقول ” إياك اعني يا جارة ” وقد نجد فيما ترمي إليه شيئا طبيعيا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ،التي تحتم على كل دول العالم أن تبحث عن سبل الخروج من هذه الأزمة بسلام .

    وسوف لن تكون هولندا بقراراتها هذه تعني كونها الدولة الوحيدة  المتأثرة من هذه الأزمة من بين دول أوروبا والعالم بصفة عامة ،التي ستحذو حذوها بخصوص الجاليات بصفة عامة ،والمغربية بصفة خاصة باعتبارها من بين الجاليات التي ترتبط بشكل وثيق مع وطنها الأصلي رغم سياسته التي قلما تتجاوب مع هذه الروابط ، وطالما تتعارض مع تطلعاتها في كل المجالات الخاصة بها ،فان كانت بعض الجاليات الأخرى قد تذوب بسهولة في هذه المجتمعات الغربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ،وكلها عوامل قد تشجع على اندماجها  إلى حد يجعلها تتقبل اختيار جنسية  البلد المستقبل لأسباب متعددة ، إلا أن الجالية المغربية على نقيضها قد تتعامل مع هذه المعطيات والعوامل بنوع من الحذر والتحيز إلى وطنها الأصلي ،الشيء الذي كان له بعض الأثر السلبي على الاقتصاد الهولندي الذي يرغب في استغلال هذه الطاقات واستثمارها على ترابها  واستهلاكها لثرواتها التي تقدمها إليها في إطار المساعدات الاجتماعية  وإيرادات التقاعد والضمان الاجتماعي والتعويضات العائلية .

   من اجل ذلك تقوم الحكومة الهولندية بالعمل على إيجاد سبل للضغط على أفراد جاليتنا من اجل قطع كل الروابط  التي تشدهم إلى وطنهم الأصلي، ومحاولة تخريب عش العائلة حتى لا تعود إليه الأجيال القادمة  فان كانت بعض الدول الأوروبية الأخرى كاسبانيا وفرنسا وغيرهما قد تتعامل مع مثل هذه الملفات بالعصا والجزرة ،فهي من جهة قد تشجع أفراد جاليتنا على البقاء ،وإغرائها بمساعدات مادية واجتماعية وإنسانية وبمحفزات  على الاستثمار، وفي نفس الوقت قد تجرد غير الراغبين  من كل ذلك ، سيما الجيل الأول باعتباره القاطرة التي يمكنها أن تجر الأجيال الأخرى ،والتي أصبحت الضرورة تفرض تعطيلها .

   وإذا كانت هذه الضرورة تفرض على كل الدول أن تعمل من اجل جلب الاستثمار، والاعتماد على طاقاتها الفاعلة ،وعلى رأسمالها الغير مادي فان سياسة وطننا تجاه أفراد جاليتنا تختلف اختلافا بينا وكأنها ليست معنية بذلك، و تبدو غير مبالية بهذه الضرورة وكأنها في غنى عنها ،وهي لا تتعامل معها إلا مجاملة . وإلا فماذا تعني حكومتنا بقرارها على إجبار الجالية بالتصريح بممتلكاتها خارج الوطن دون غيرها من المهربين للمال العام ، ممن ستقرر مصارف سويسرا وأوروبا عامة على فضحها وكشف أرصدتها ، علما أن معظمهم قد ينتمي إلى الحكومات السابقة ،أم كانت ممتلكات أفراد الجالية وحدها من تعوض خصاص خزينة الدولة ؟ قرارات قد تزيد في التضييق على أفراد جاليتنا  من الجهتين لأجل مغادرة هذا الوطن وتركه لمن يرغبون في التوسع فيه على حسابهم ،  وكأن هذه الحكومة  لا تعلم عاقبة قرارها الذي سيساعد هذه الدول على إلغاء كل الاتفاقيات الاجتماعية معها بخصوص أفراد الجالية ومباركتهم ، وان  كانت في الواقع ملغاة من تلقاء نفسها وولدت ميتة من ساعتها .

    فماذا تعني حكومتنا بقرار حرمان أفراد جاليتنا سيما متقاعدي  الجيل الأول من استغلال سياراتهم داخل وطنهم لا كثر من ستة أشهر، فتفرض عليهم مغادرة التراب الوطني أو سيعرضهم هذا القرار إلى مضايقات جمركية تكرههم في وطنهم ، وتمنعهم من الاستقرار فيه لتحببه إليهم على مضض في مواطن إقامتهم ،أم ترى كانت حكومتنا لا تحس بمدى تذمرهم وسخطهم على سياستها الجائرة  .

         وماذا تعني حكومتنا بلامبالاتها بقضايا جاليتنا في كل المجالات باعتبارها شريحة زائدة لا تنتمي إلى المجتمع المغربي ولا تمت إليه بصلة، قد يتم التعامل معها كدخيلة عليه ، قاصرة ليس من حقها المطالبة برفع الحجر عنها ، كلها دوافع وعوامل وحوافز مشجعة على تقبل أفراد جاليتنا كل ما ستفرضه عليهم الدول المستقبلة ،التي تكرم وفادتهم وتشجع استثماراتهم وتحسن استقبالاتهم وتعالج أمراضهم وتهتم بمستقبل أطفالهم وتعمل على مساعداتهم في كل المجالات التي تخصهم

   وإذا كانت بعض التنظيمات الإرهابية قد استطاعت استقطاب كثير من الشباب العربي وتعبئتهم ،وقد اشترت منهم أنفسهم بمقابل زهيد ،واستهوت بالمال  كثيرا من ذوي الحاجة إلى متطلبات الحياة ، كما كان آخرون يصعدون الجبال ويقطعون الفيافي فيعانقون أمواج البحر ثم يرتمون بين أحظان الموت رغبة في  الحياة . فلا ينبغي أن نستغرب من استمالة حكومة هولندا وغيرها أفراد جاليتنا للعودة إليها ،أو غيرهم  للاستثمار فيها .وما أشبه  اليوم  بالأمس ،ومرة أخرى ” إياك اعني يا جارة “.