بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

قوانين ، ومشاريع قوانين من اجل تبرئة ذمم المهربين ، وتبرير تهريب الأموال المنهوبة من خزينة الدولة المغربية إلى دول أخرى على مدى السنين الماضية والمقدرة بأكثر من 140 مليار دولار التي أصبحت في عهد حكومة بنكيران مشمولة بعفوه عما سلف  . والى اليوم عندما أصبحت كل الطرق والوسائل الكلاسيكية غير مجدية ، وسبل التهريب أيضا أصبحت غير سالكة إلى بنوك هذه الدول ، بعد أن كانت هذه الأموال تهرب في حقائب الشخصيات التي قد يساعد رجل الجمارك على حملها ووضعها في مكانها اللائق، وليس ثم من احدهم  يتجرأ على لمسها وبالأحرى فتحها وتفتيشها . وما لم تكن هذه الحقائب تتسع لسعيه على متن الطائرات ، باتت  تهرب بواسطة  الشاحنات على متن البواخر في شكل سلع وبضائع غير مصرح بها ، تماما كما تهرب المخدرات. 

        فالأموال المغربية كانت ومازالت تهرب بشكل بشع دون حسيب فضيع دون رقيب، ولو كان هناك من يحصي ممتلكات المهربين في البلدان الغربية والشرقية ،والودائع المالية والذهبية والماسية لدى البنوك السويسرية والفرنسية والانجليزية وغيرها ،لوجدها تضاعف بعشرات المرات ميزانية الدولة المغربية . ولولا فضل الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن هوس القاعدة وما يسمى الإرهاب الذي اضطر الدول الغربية إلى تشديد الخناق على المعاملات التجارية وتداول الأموال وتدفقها على بنوكها ، وفرض المراقبة على مصادرها ومواردها، ما جعل هذا التدفق اليوم ليس بالأمر الهين على مهربي الأموال المغربية بصفة خاصة، وغيرهم في الدول العربية بصفة عامة ،والتي تجاوزت قيمتها بليون دولار مودعة في المصاريف والبنوك السويسرية والأوروبية.

ولما أصبح اليوم تدفق هذه الأموال على هذه المصاريف والبنوك مقيدا بشروط متعلقة  بتصاريح عن مصادرها ، كما لم يعد من السهل التصرف فيها  وصرفها أو تحويلها بحرية وتلقائية من طرف أصحابها كما كان الأمر في السابق ،الشيء الذي جعل تهريب الأموال بالطرق الكلاسيكية غير مجد وقد يعود الفضل في ذلك إلى البعبع الافتراضي الذي يروع العالم المادي ، حتى كانت بالفعل مصائب قوم عند قوم فوائد ما جعل الضرورة الحتمية تستدعي بعض الجهات الضاغطة  من اجل الاجتهاد في  سن قوانين مثغرة لتبرير هذه العمليات وتحديث أساليبها .ونذكر على سبيل المثال لا الحصر قانون تهجير سيارات أفراد الجالية بعد ستة أشهر من إقامتها في المغرب ، والدفع بهؤلاء المهربين إلى إحداث حظائر ومستودعات  في كل من سبتة و مليلية من اجل إيواء هذه السيارات لامتصاص ملايين الدراهم سنويا وتفويتها على خزينة الدولة وتحويلها إلى خزينة دولة أخرى باسم القانون ، وكذا قانون إحداث مكاتب صرف العملات وتحويلها من طرف هؤلاء المهربين من اجل استبدال العملات وتحويلها ومن ثم مشروع قانون الأخير الذي يفرض على الجالية العائدة إلى المغرب ، التصريح بممتلكاتهم في الخارج حتى  يمكن مقايضتها أو بيعها لمهربي الأموال العامة بعد حين ، فإذا كانت الحكومة المغربية حقيقة تسعى لفرض هذا القانون الذي يجعلها تتناقض مع نفسها بمعارضتها لمثله ذاك الصادر عن الحكومة الهولندية والقاضي بضرورة تصريح أفراد جاليتنا بممتلكاتهم في المغرب ، إذن فتصرف حكومتنا لا يخلو من هذه الشبهات التي تعتبر في الواقع  غير سليمة ، وقد تضر باقتصاد البلاد وتنفر أفراد الجالية من وطنهم ، ولا تشجعهم على الاستثمار في بلدانهم ، وتدفعهم إلى عدم الاستقرار فيها ولا تخدم سوى مصالح المهربين  . و إلا ماذا تريد الحكومة من وراء هذه القوانين  والتصريحات إلا لتضيق الخناق على أبنائها العائدين ، وتفرض عليهم التخلص من هذه الممتلكات لفائدة غيرهم من أمثال هؤلاء المهربين والهاربين . فإذا كانت دولة هولندا واسبانيا وفرنسا وغيرهن ، تفرضن ذلك على أفراد جاليتنا ، فمن حقهن أن تفعلن لأنهن يقدمن لهم مساعدات من اجل تحسين ظروفهم المعيشية في بلدانهن والحفاظ على كرامتهم كأناس يجب على هذه الدول أن تضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم ، وتريد أن ترى اثر نعمتها على هؤلاء الأفراد والأسر التي تعيش بين ظهرانيها . وأما بالنسبة لبلدنا فالأمر يختلف إلا أن تريد حكومتنا بأفراد الجالية تجريدهم وخلع ملابسهم ،وهي تقول لهم بصريح العبارة إننا نستفزكم لان  تواجدكم بيننا يستفزنا ،وعودتكم تحرجنا سياسيا وثقافيا واجتماعيا ،لذلك فإننا لا نرغب فيكم وهم بذلك واعون واليوم ،لقد ذاب الثلج وبان المرج. فماذا انتم فاعلون أيها المغاربة المغتربون التائهون في العالم ، تجاه هذا الثمن المفروض عليكم أداؤه مقابل  حرصكم على محبتكم لهذا الوطن وسهركم على الدفع بعجلة تقدمه وتنميته ، وبذلكم للغالي والنفيس من اجل وحدته واستقراره ، ومن ثم الخوف من أن يكون هذا جزاؤكم على الإخلاص والوفاء الذي تكنونه لجلالة الملك الذي يشدكم حبه بحبال متينة إلى هذا الوطن الغالي ، ولكم واسع النظر .