الأستاذة هنية بنان / محامية و ناشطة سياسية و حقوقية


ان المشاركة السياسية للمرأة داخل المجتمع، تعكس درجة الديمقراطية فيه من خلال إدماجها في صنع القرار السياسي والإداري والتحكم في الموارد على كافة المستويات. وقد نصت جميع القوانين المنظمة للحقوق السياسية والمتمثلة في الاتفاقيات الدولية على حق المرأة في العمل السياسي بشكل واضح وجلي، كما نصت جميع الدساتير المغربية منذ الاستقلال الى دستور 2011 على ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية و التدبير الترابي و تسيير الشأن العام، لكن يبقى السؤال المحوري و الرئيسي، هل استفادة المرأة المغربية من هذا الانفتاح؟ و ما مدى مشاركتها في الحياة السياسية؟ و هل كانت مؤثرة في اتخاذ القرارات على المستوى المحلي و الوطني؟
سنحاول من خلال هذه المقالة الإجابة عن بعض هذه التساؤلات من خلال تسليط الضوء على الأرقام المسجلة من خلال الحكومات المغربية المتعاقبة، وذلك منذ تشكيل أول حكومة مغربية في السابع من دجنبر 1955 برئاسة أمبارك لهبيل البكاي، الى غاية حكومة العثماني الثالثة في التاسع من اكتوبر2018. فقد بلغ عدد النساء اللواتي تولين مناصب حكومية ما مجموعه 24سيدة من أصل 396 منصب حكومي وزاري ، منهن أربع وزيرات، وخمسة وزيرات منتدبات، ثلاثة منهن أصبحن كاتبات الدولة فيما بعد،و15 كاتبات الدولة، تمت ترقية أربعة منهن وزيرات فيما بعد، و هو معدل يعادل 6 بالمائة من مجموع المناصب الحكومية منذ فجر الاستقلال.
و يعزى سبب هذا الفارق في تقلد المناصب الحكومية بين الرجال و النساء الى تأخر ولوج المرأة المغربية الى المناصب الحكومية، بحيث سجل المغرب أول تقلد لمنصب سياسي حكومي نسوي بالمغرب في 3غشت 1979 وذلك من خلال التعديل الحكومي الموسع للحكومة الثانية و العشرون التي ترأسها عبد اللطيف الفلالي، و الذي من خلاله تقلدت اربع نساء مناصب كاتبات للدولة وهن عزيزة بناني بالثقافة، وأمينة بنخضرة مكلفة بتنمية القطاع المعدني، وزليخة نصري المكلفة بالتعاون الوطني، ونوال المتوكل بالشبيبة والرياضة، و بعدها تذبذبت التمثيليات النسائية في مراكز القرار الحكومي وبقيت جلها محصورة في بعض الوزارات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية، بينما بقيت الوزرات المسماة في الواقع السياسي سيادية بعيدة عن مناصب المسؤولية النسائية.
دائما وبلغة التواريخ و الأرقام، فقد انتظر البرلمان المغربي 38 سنة قبل ان تلج المرأة لمؤسسته التشريعية، فمند أول برلمان مشكل بعد عودة المغفور له صاحب الجلالة السلطان محمد الخامس من المنفى في 16 نونبر 1955 وإعلان الاستقلال، و الذي نتج عن المشاورات مع الأحزاب السياسية الرئيسية لوضع أسس الانتخابات المستقبلية، لم يتم تسجيل ولوج النساء الى قبة البرلمان الا سنة 1993 من خلال نائبيتين، و هو ما شكل حينها 1 بالمائة من مجموع المقاعد البرلمانية آنذاك، ليرتفع هذا العدد الى 35 نائبة بعد انتخابات 2002 ليشكل 11 بالمئة من عدد المقاعد البرلمانية، وسينخفض هذا العدد الى 34 نائبة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007 لتشكل النساء 10 بالمائة من مجموع البرلمانيين. و يرجع هذا التطور في اعداد التمثيلية النسائية بالبرلمان المغربي الى تبني المغرب لنظام الكوطا للنساء سنة 2002 من خلال تخصيص 30 مقعدا نيابيا يدرج بلائحة انتخابية وطنية يتم التصويت عليها منفصلة عن اللوائح المحلية الاعتيادية، و هو الرقم الذي انتقل الى 60 مقعدا بعد إقرار دستور 2011.
من خلال الأرقام السابقة يبقى التذبذب السمة المميزة للتمثيلية المرأة في الحياة السياسية، فرغم كل المبادرات و التشريعات التي تضمن للمرأة مشاركة سياسية موسعة، الا ان الواقع يعكس عكس ذلك، فالحكومة الأولى ما بعد دستور 2011 برئاسة عبد الاله بنكيران، نصبت إمراه وحيدة في وزارة الاسرة و التضامن أنداك، قبل ان تتدارك الحكومات المتعاقبة ذلك و تنصب العديد من الوجوه النسائية في العديد من المناصب الوزارية، وهنا يطرح السؤال، ادا كانت الأحزاب السياسية هي المؤطر للعملية السياسية و المشكل للحكومة و البرلمان، فكيف تنظر الى المشاركة السياسية في تدبير الشأن الحزبي قبل الشأن العام.
اغلب الأحزاب السياسية تتبنى خطاب المساوات و المناصفة في المناصب السياسية، لكن عند تحليل مدى تبني هذه الأحزاب لهذه المبادئ في تسيير الشأن الحزبي نجد شيئا أخر. فحضور المرأة على مستوى الأجهزة الحزبية في بعض الأحزاب يظل محدودا، فرئاسة الأحزاب السياسية تبقى مقتصرة على الرجال، مع بعض الاستثناءات، حيث تتولى هذه الرئاسة شخصيات سياسية معروفة بتاريخها النضالي الحزبي، أوتتولى قيادتها شخصيات كانت تشغل منصبا وزاريا. و تعاني اغلب الأحزاب السياسية من شيخوخة القيادات التي لا زالت تنتج نفس الأفكار التقليدية و تتبنى نفس الممارسات التي عاصرتها و تعايشت معها، فمسألة انتاج النخب و القيادات الحزبية الجديدة لا تزال متعثرة، وواقع انتاج قيادات حزبية نسائية لازال لم يجد الأرضية المناسبة داخل جل الأحزاب، مع بعض الاستثناءات التي عملت على خلق هياكل سياسية نسائية تهدف من خلالها على تقريب المرأة المتحزبة من مشاكل و هموم الساكنة النسوية و التي تشكل كثلة ناخبة مهمة من جهة، و تمكين هذه المرأة من فضاء تتمرس من خلاله على الحياة السياسية قبل الخوض في الممارسة السياسية على صعيد القيادة الحزبية.
لا أحد ينكر دور المرأة المغربية في بناء هذا المجتمع الحضاري، فجيل كبير من المثقفين و القياديين و السياسيين المغاربة ولدوا من رحم أمهات تقليديات ينتمون الى الطبقات الشعبية، في زمن كان يتعذر على نساءه متابعة القراءة و الكتابة فبالأحرى التكوين الاكاديمي، لكن الوقت تغير اليوم و أصبحت أمهات الجيل الجديد من المتعلمات والمثقفات و الاكاديميات، و تحول بذلك دور المرأة المغربية من تربية و تكوين مجتمع صالح الى قيادة هذا المجتمع الذي ساهمت في تكوينه منذ أكثر من 60 سنة من زمن المغرب الحديث.