بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

 

جريا على العادة المألوفة في كل مناسبة وطنية يحرص نوابنا وبعض منتخبينا ومسئولينا في إقليم تاوريرت على الحضور والالتصاق بأهداب السيد العامل أينما حل وارتحل تملقا وتشدقا  وربما خوفا ونفاقا وتحذلقا واسترزاقا وفق ما لاحظناه أخيرا بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر الذي ترأسه هذه السنة السيد الكاتب العام للعمالة نيابة عن السيد العامل خلافا للسنين الماضية عندما كان الأمر يستدعي تنحيت الواجهة بمنحوتات جامدة وملء القاعة بالموظفين وأفراد جمعيات لا علاقة لها بالجالية وذلك نتيجة نفور وعزوف أفراد هذه الأخيرة  رغبة منهم في عدم مضيعة وقتهم الثمين في ما لا يفيد إلا أن هذه السنة قد سجلت حضورا مكثفا  لأفراد الجالية لأسباب منها تزامن عطلة هذه الأخيرة مع عطلة أبنائهم الدراسية ومصادفتها لنهاية شهر رمضان وبداية أيام عيد الفطر إلى جانب غياب كثير من المسئولين ورؤساء مصالح ونوابنا {المحترمين} .

      وقبل بداية اللقاء كنا قد اطلعنا في القاعة على أسماء المدعويين إلى جانبي السيد الكاتب العام الذي سيترأس اللقاء وكانت الكراسي المحجوزة لهؤلاء أربعة  مقاعد على اليمين واليسار وهم على التوالي  السيد رئيس المحكمة  ووكيل الملك بها و ممثل إدارة الجمارك  ورئيس الدرك الملكي وكذا رئيس المجلس الإقليمي  ونوابنا المتغيبين ثم القائد رئيس قسم الشؤون العامة  .

      وبعد جلوس المدعوين وامتلاء القاعة  في انتظار التحاق المسئولين بأماكنهم ظهر معظم الكراسي الأمامية فارغة إلا من أسماء أصحابها لكن قبل افتتاح الحفل بآيات بينات من الذكر الحكيم على حين غرة بدأ أحد الموظفين يسحب أسماء المتغيبين من على المنصة فما بقي عليها في مواجهة الجمهور والكراسي الأمامية شبه فارغة سوى السيد الكاتب العام ونائب رئيس المحكمة وممثل إدارة الجمارك ثم القائد رئيس قسم الشؤون العامة في حين بقيت  كراسي ممثلوا الساكنة يا حسرتاه فارغة  إلا من أسماء  الذين كان حضورهم ضروريا ومفيدا إلى حد ما ولو شكليا ولا سيما النواب “المحترمين” في مثل هذه اللقاءات التي كان من المفروض  أن لا تضيع منهم مثل هذه الفرصة التي قد يتصيدها البارعون في علم السياسة بأي ثمن وبخاصة الذين يتظاهرون بمظهر المجدين  في العمل والمحنكين في السياسة والمعروفين بسفرياتهم وتنقلاتهم عبر مدن ومداشير و مجمعات  الجالية في بلدان الإقامة كمن يتفقدون الأحوال ويهتمون بالقضايا على غرار الوزراء والأمناء والرؤساء السابقين واللاحقين والدائمين منهم  للدنيا وان لم تكن الدنيا لهم دائمة ومن الباقين في هذا المنصب وان لم يكن هذا المنصب لهم باقيا  رغما عن انف من ينادونه بالرحيل  .

      هذا و أمثاله ما أكثرهم ممن يتاجرون بقضايا وهموم الجالية التي شردها الزمان وألقى بها الموج على شواطئ الضفة الأخرى فيحسبون أنهم يخادعونهم  وما يخادعون إلا أنفسهم وهم لا يعلمون ولا يدركون الهفوات السياسية التي قد تجعلهم مرفوضين شكلا ومضمونا ولم تعد تجديهم شطحاتهم التلفزيونية والفيسبوكية التي تجعلهم منبوذين اجتماعيا وثقافيا وسياسيا  كم من شطاح  و مشطح  لم تنفعه شطحاته الإعلامية المختلة حينما ذاب الثلج وبان المرج وانكشفت الحقائق المضللة وارتفع الستار.

        وقد كان التساؤل يدور في القاعة بين الحاضرين عن سبب الغياب الذي يعزى لأسباب عدة منها ما يفسر بعد اهتمامهم بالجالية ومنها ما يرد إلى أسباب  مرتبطة بغياب السيد العامل وحضوره وقد جادت قرائح بعض الظرفاء بنسج كثير من الطرائف والمستملحات في هذا الشأن ربما قد يستغلها المتنافسون في الحملات الانتخابية المقبلة معززة بصور كاريكاتورية هذا بالنسبة لنوابنا المتغيبين دوما عن كل ساحات المحافل الخالية من الأطماع المادية والمعنوية ومن عادتهم تحاشي الظهور في المناسبات  قبل مرور أربع سنوات خوفا من عيون العيان والمواجهات

     لكن متى كان هؤلاء في مستوى الأحداث ومتى كانوا في مستوى  طروحات المتفوقين وتطلعات المنتخبين وهم أدرى من غيرهم بذلك فكان غيابهم أفضل واختفاؤهم عن الأنظار أجمل ومتى كانوا يعلمون اختصاصاتهم وأدوارهم السياسية إلا أنهم موجودون فقط  ليتقاضوا الرواتب والتعويضات والعلاوات على حساب المواطنين وتصيد الصفقات  وبعدهم الطوفان.

     ولكن أيضا متى كان هذا الشعب واعيا ومتى سيفهم انه معوق ومحجور عليه مادام يتخذ  من ينوب عنه من أمثال هؤلاء ليقوموا مقامه ويوقعوا  باسمه على مصيره فليس بداهية ذلك الغارق الذي  يتشبث بالغريق ولا بذي حيلة ذلك الأمي المستعين بالأمي ولا بالحاذق ذلك الجاهل المستعين بالجاهل ولكن الأدهى من هذا وذاك أن يستعين العالم بالجاهل ومن العار أن يستعين الواعي بالأمي ومن العيب أن يركع المثقف على أقدام الغني كل ذلك ليس من الحب في شيء ولا من الخوف من شيء ولا من  العذر بشئ  ولكنه فقط من طمع في كل شيء ومن ذل بلا شيء وجشع للاشيء

     ترى متى يتخلص دعاة العلم  والثقافة و أدعياؤهم  في أرضنا من هذه الخصال فيعود العز والكمال لأهله  ثم تستقيم الأوضاع في مدينتهم  وأرضهم ووطنهم وقبل ذلك فلا فائدة من البكاء ولا جدوى من الشكوى وكلنا مسئولون وكل من ذكرناهم نتمنى أن يكونوا سوى نسخا ودعاة وأشباه فيعترفون بذنوبهم بأنهم  ابعد ما يكونون من العلم والوعي والثقافة ومما يدعون قبل أن  يثبت الزمن عكس ذلك فيفند ما ينتسبون إليه ويأتي بالأصول .

    وأما بالنسبة لأفراد الجالية ربما قد أكد لهم يومهم هذا أن دار لقمان مازالت على حالها ولا خير يرجى من قديم ولا من قادم فليحمدوا الله الذي أخرجهم مخرج صدق وأدخلهم مدخل  صدق وقد اتخذوا لهم موقفا ثابتا ممن يدعي انه يمثل أو ينوب عنهم ويهتم بقضاياهم وقضايا غيرهم دون مقابل ونحن على أبواب الانتخابات فهل كنا فاعلين وهل كنا مؤمنين فلا نلدغ من الجحر مرتين إلا أن نكون من شر الدواب عند الله الصم والبكم الذين لا يعقلون .