بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

       في ضوء العجز الحكومي البين على إصلاح منظومة التعليم وفي ضل الفشل السياسي الذريع في إثبات أسس الهوية المغربية وإرساء قواعد التربية الوطنية بدأت العشوائية السياسية تطغى في معالجتها المزاجية على كل القضايا الوطنية في غياب تام وتغييب شبه تام للفكر وللثقافة والمعرفة وتماديها في توغيل الشأن العام الوطني في الإنفاق المظلمة والمسدودة منذ أزيد من نصف قرن من زمان يثبت كل يوم محاسن قديمه ومساوئ  قادمه ولا يبشر بالخير جديده ولا حاضره أو مستقبله

      من العار أن يضل هذا البلد منذ نصف قرن يتعثر في البحث عن هويته الوطنية والثقافية الضائعتين مع الأهواء الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية ولم يستطع تحديد موقعه الثقافي والاجتماعي ,إذا كان نظام المغرب ملكيا سياسيا ومذهبه مالكيا إسلاميا ولكن ما ينبغي له أن يحدد موقعه اللغوي قوميا بعيدا عن التجاذب العاطفي والتشدد العصبي والتوجه السياسي والحزبي فالانفتاح على اللغات وعلى الطبائع والعادات وكل المتغيرات شيء جميل ومشرف ومفيد ولكن ليس على حساب  الثوابت والأصول

        فسكان المغرب الأصليون تاريخيا هم برابرة ومعنى البربرية لغة غير مفهومة كان يتجاوب بها هؤلاء السكان فيما بينهم ولكن لا احسب  أنها كانت تستطيع اجتياز محيطهم القبلي وموقعهم الجغرافي ولما جاء الإسلام سرعان ما اعتنقه هؤلاء السكان ثم اعتمدوا لغة القران كبديل لا محيد عنه باعتبارها لغة التواصل القومي العربي والإسلامي بذلك يكون هؤلاء قد حددوا موقعهم اللغوي باختيارهم اللغة العربية كلغة قومية دون تخليهم عن لغتهم البربرية كلهجة محلية تفرعت عنها فيما بعد عدة لهجات لم تفقد مكانها في المجتمع المغربي شانها شان لهجات السكان في كل الدول العربية وغير العربية ولما كان  الاستعمار يكتسح هذه الدول أصبحت كلمات لغته تمتزج بكلمات لهجة ولغة سكان الدولة المستعمرة وخلقت بذلك لغة رابعة اسمها العامية تتكون من مزيج اللهجة السكانية واللغة العربية ثم اللغة الاستعمارية وباتت العامية اللغة المعبرة عن هوية كل بلد كزيها التقليدي وكالجلباب والطربوش بالنسبة لنا في نفس السياق تحضرني مقولة نابليون في هذا الصدد وردت في بعض تعليماته لأحد قواد جيشه الذي كان يكتسح إفريقيا بان لا يقتصر على القوة من اجل فرنسا  وإنما أكثر من ذلك أن يعمل كل واحد من جنوده على تلقين حرف من اللغة الفرنسية بذلك يكون قد أدى خدمة كبرى لفرنسا كما يجرني الحديث إلى تذكر يوم حضرت فيه لقاءا ثقافيا بمعهد العالم العربي بباريس حينما كان يتناوب على منصته كثير من المتدخلين العرب والمسلمين من مختلف الدول باستثناء المغرب وكان جل المتدخلين يتحدثون بلغاتهم العامية وقد حز في نفسي غياب بلدي عن هذا اللقاء فأردت ملء الفراغ والمشاركة بصفة غير رسمية دون أن أعلن عن هويتي كغيري من المتدخلين منذ البداية أحسست باهتمام الجمهور  وبصمت رهيب يخيم على القاعة التي اهتزت تحت تصفيقات حارة   ولما كنت خارج القاعة كنت أتلقى التهاني والعتاب في نفس الآن  من طرف بعض الحاضرين في حين وجه إلي بعضهم الأخر نقدا لاذعا وعابوا علي استعمال  الفصحى باعتبارها لغة قومية بخلاف العامية التي تمثل الهوية الوطنية وسمعت آخرين  يتساءلون فيما بينهم عن هويتي ذلك ما لم يلاقيه  المتدخل المصري الذي غطى على عاميتنا بواسطة أعلامه وكتبه وصحفه في هذا الشأن ولا التونسي واللبناني والعراقي وغيرهم إن دل هذا على شيء إنما يدل على أن اللغة العامية تبقى لغة الخطاب المعبرة بوضوح عن الهوية الوطنية وأما الفصحى باعتبارها قيدوم اللغات ستظل لغة القلم والتدوين والتواصل على مستوى العالم العربي والإسلامي

      في عتمة هذا الظلام المخيم على الهوية العربية بشكل عام وفي ضل التكالب الاستعماري من اجل إخماد نورها والعمل على إخراجها من بيتها وإدخال شريكة أو شريكات غير مرغوب فيهن مثيل ” الظهير البربري ” الذي قوبل برفض كل المغاربة  إن هذه اللغة التي صمدت في وجه أي دخيل عليها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا وقاومت الاستعمار في أوطانها مازالت تعمل على إرساء قواعدها وتعزز امتدادها في العالم وتركز أقدامها في كثير من الدول الكونية

     نشر تقرير أعده خبراء متخصصون في لجنة عمل شكلتها الحكومة الفرنسية على الموقع الرسمي للوزارة الأولى خلصوا فيه إلى     ضرورة اعتراف فرنسا بتنوعها وتعدد مكوناتها الاجتماعية واستبدال سياسة الإدماج بسياسة ” العيش المشترك” يروم الاعتراف بالمكونات العرقية والدينية العربية والإفريقية داخل نسيجها الاجتماعي وتخليها عن عقد ما بعد الفترة الاستعمارية بخصوص اللغة العربية كما صدرت عن اللجنة توصية تدعو إلى إدماجها ضمن مؤسسات تعليمية وازنة في فرنسا مع ترك حرية الاختيار لأي طالب يرغب في تعلمها ابتداء من المستوى الإعدادي وأكثر من ذلك فقد أشار التقرير على الموقع الرسمي للوزارة الأولى الفرنسية إلى توصية أخرى تحث على حذف الإجراءات التي تعتبرها تمييزية وعنصرية من قبيل منع الحجاب المعمول به حاليا في المؤسسات التعليمية

     في حين أصبحت اللغة العربية اليوم وأكثر من أي وقت مضى تحارب في عقر دارها مهددة في أوطانها من طرف بعض المرتدين أحفاد المعمرين الذين يرغبون عنها بديلا والعمل على إحياء  الظهير البربري  في حلة جديدة هاهي ذي لغتنا الجميلة تعاني ظروفا صعبة وأصبحت في موقف حرج جعلتها في أمس الحاجة إلى حماية من طرف أبنائها الغيورين   بالمناسبة يسعدني استحضار نداءاتها عسى أن تستجيب الأجيال الحديثة على غرار الدكتور محمد المهدي البكدوري الذي أحييه من على هذا المنبر على مبادرته القيمة من اجل نصرة اللغة العربية بأحداثه وصفات طبية مترجمة إلى لغتنا الجميلة التي تعرف عن نفسها بنفسها وتتحدث عن ذاتها بذاتها  وتقول لأبنائها إني ….


رجعتُ لنفسي فاتهمت حَصاتــــي وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رمَوني بعقم في الشباب وليتنـــي عقِمت فلم أجزع لقول عُداتي

ولدت ولما لم أجد لعرائســـــــــي رجالاً وأكفاءً وأدتُ بناتـــي

وسعت كتاب الله لفظاً وغـــــــاية وما ضقت عن آيٍ به وعِظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعـات

*** *** *** ***

أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامــنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسنـــي ومنكم وإن عز الدواء أساتـي

فلا تكلوني للزمان فإننــــــي أخاف عليكم أن تحين وفاتي

أرى لرجال الغرب عزاً ومنعـة وكم عز أقوام بعز لغـــــات

أتوا أهلهم بالمعجزات تفننــــــاً فيا ليتكم تأتون بالكلمـــات

*** *** *** ***

أيطربكم من جانب الغرب ناعــب ينادي بوأدي في ربيع حياتـي

سقى الله في بطن الجزيرة أعظما يعز عليها أن تلين قَناتــــي

حفظن وِدادي في البلى وحفظتــه لهن بقلب دائم الحســــــرات

وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق حياء بتلك الأعظم النخـــرات

أرى كل يوم بالجرائد مزلقـــــاً من القبر يدنيني بغير أنــــاة

*** *** *** ***

وأسمع للكتاب في مصر ضجـــة فأعلم أن الصائحين نُعاتـــي

أيهجرني قومي عفا الله عنهــــم إلى لغة لم تتصل بــــــرواة

سرت لُوثة الإفرِنج فيها كما سرى لعاب الأفاعي في مسيل فرات

فجاءت كثوب ضم سبعين رقعـة مشكلة الألوان مختلفــــــــات

إلى معشر الكتاب والجمع حافل بسطت رجائي بعد بسط شَكاتي

*** *** *** ***

فإما حياة تبعث الميت في البِلى وتنبت في تلك الرُّموس رُفاتي

وإما ممـاتٌ لا قيامــةَ بعـــده ممات لعَمري لم يُقس بممات
بقلم . حافظ ابراهيم

 993792_735524356475038_1127643165_n