بقلم : ادريس عاشور – مدير بتاوريرت

summer2010_15GU8me

 

 

يكاد يحصل الإجماع حاليا على كون أزمة منظومة التربية والتكوين أصبحت من الأزمات التي يصعب تغييبها في كل نقاش جاد وهادف ، بغية بلورة تصور واضح لأفق واقعنا التربوي ، رغم أن هذا الإجماع نفسه يثير نقاشا آخر نظرا لتبني هذا الطرح من طرف جميع مكونات المجتمعالمغربي بشكل خاص والأجهزة الرسمية وفي هذه الظروف بالضبط بشكل عام وذلك في إطار مشروع إصلاح المنظومة التربوية . ولأن المتتبعين للشأن التربوي بالمغرب ومنذ الاستقلال وجميع الفعاليات التربوية والقوى الحية والديمقراطية في البلاد كانوا منذ البدء يثيرون هذه الإشكالية ، وينبهون إلى المنزلقات والخطر الذي يهدد القطاع ولن نجازف إذا قلنا أن الأزمات التي مرت منها المنظومة كانت مرتقبة ومتوقعة بل ومستهدفة أحيانا من قبل بعض المسيرين الذين ساهموا بشكل ممنهج في تأزيم الوضع التربوي وتقزيم حاملي رسالته وحاملي شهاداته بشكل عام من أجل الحفاظ على وضع معين ومصالح معينة لفائدة فئة معينة .
وفي إطار إبراز ومناقشة جانب من جوانب هذه الأزمة ، نود أن نثير النقاش من الداخل وذلك من خلال التركيز على أحد المكونات الأساسية للمنظومة التربوية والتي هي بمثابة العمود الفقري فيها : ألا وهي الإدارة التربوية ( المدير ) والتدبير الاداري والتربوي خاصة بالتعليم الابتدائي كنموذج .
ودون الدخول في نقاشات قانونية وفقهية تتعلق بوضعية المدير المسؤول عن تسيير مؤسسة تعليمية ، نود بداية أن نشير إلى أن هذه المهمة كان معمولا بها منذ تأسيس المدرسة العصرية بالمغرب وكانت تناط بشخص في الغالب ما يكون من الأجانب لتسيير المؤسسة وفق ما تقتضيه توجيهات وقوانين السلطة الحاكمة ( الحماية ) . ومع الاستقلال تم تبني نفس التصور كما هو الشأن بالنسبة لأغلب الأجهزة الأخرى في الادارة المغربية . وبالتالي استمر ت هذه المهمة بالمدرسة المغربية بنفس النهج إلى الآن مع إحداث تغييرات طفيفة خلال فترات معينة ، لكن لا سبيل للإقرار بها من حيث الشكل أو المضمون تلك التغييرات التي مست المجال الجغرافي لنفوذ الادارة ( التقطيع ) ، المهام التربوية ، التأطير ، كيفية الانتقاء ، التكوين الأساس …
تأسيسا على ما سبق يتبن أننا بصدد وضعية جديدة غير أنها في حلة قديمة لأن التغييرات التي طرأت على لم تطل جوهرها والمبتغى منها ، وهذه المهمة من حيث المهام التي يكلف من يعهد بها إليه من الناحية التربوية والإدارية والمالية هي معقدة في لبها وعادية في ظاهرها ليقتصر الأمر على تدبير ما هو يومي وفي غياب رؤية استراتيجية وتصور واضح للغايات والمرامي ، هذا وفي ظل ضعف الجانب التشريعي والقانوني المنظم للمهمة ، اللهم إذا استثنينا بعض المراسيم الوزارية والمذكرات من حين لآخر ، هذا ونشير إلى انعدام الموضوعية والعلمية في إسناد المهمة ، ثم ضعف التكوين الأساس وغياب استراتيجية علمية للتكوين المستمر ، كل هذا يجعل من المدير كمن هو ملقى في مسبح يجهل تماما أبعاده ( الطول ، العرض ، العمق ، الارتفاع ) فإذا ما أوشك على الغرق يطلب النجدة من فريق للإنقاذ إن كان في الاستماع ، وما على المدير سوى تلقي التعليمات وتنفيذها ، ولا مجال للإبداع والابتكار وامتلاك التصور وبالتالي لا يمكن الحديث عن صلاحيات معينة لاتخاذ مبادرات وترجمتها عمليا إذ على المدير أن يتقن السباحة على الشط تحسبا للنجاة المحتملة . ومن هذا المنظور فالإدارة لازالت في حلتها القديمة ، أما كونها جديدة وحديثة فبالنظر إلى ما يمكن أن يطرح على هذه المهمة من تحديات العصر الذي نعيشه باعتبارها قطب الرحى وتحتل المكانة المركزية في المنظومة التربوية ، وبالتالي عليها أن تنافس أنظمة تربوية تعرف تطورا باهرا ورهيبا في أغلب أقطار العالم ، إذ يطرح العصر تحديات حضارية وإنسانية وتربوية ذات أهمية قصوى لا تقبل الانتظار وليس لدينا الاختيار في الانخراط في المنافسة من عدمه .
وسنورد بإيجاز شديد المعايير التي كان معمولا بها ولازال بعضها سائدا لحد الآن ، ففي السابق كان المترشح الأوفر حظا لهذه المهمة هو الأكثر أقدمية والأكبر سنا ، ووقع تغيير في هذا المعيار – وبهدف تشجيع الاستقرار بالوسط القروي – ليصبح المترشح الأوفر حظا هو ذلك المستقر بالمجموعة المدرسية لمدة لا تقل عن تسع سنوات هذا ولن نفرد هنا بهذه المقالة حيزا للحديث عن إجراء المقابلات الصورية لأنه أشد ما يشبه بالدخول للمستنقعات النتنة ، لنخلص إلى القول بأن المعايير المعتمدة إلى حدود الآن و بالرغم من إدخال بعض التغييرات بين الفينة والأخرى تبعا لمستجدات الساحة التربوية من جهة ولاستهداف فئة معينة تمليها طبيعة المرحلة فإنها ليست بالموضوعية ( إقصاء فئات أخرى : الوسط الحضري مثلا ) ولا بالعلمية لأنه ليس من شأنها أن تحدد وتعكس الكفاءة . لتبقى الادارة التربوية في آخر المطاف هي الحلقة الضعيفة على الرغم من موقعها في المنظومة ، ويتجلى هذا بوضوح في غيابها الشبه التام عن النقاش الدائر حول النهوض بالمدرسة المغربية سواء تعلق الأمر بتشخيص واقع المنظومة التربوية أو بلورة تصور لإصلاحها وبالتالي امتلاك رؤية استشرافية للمستقبل .
إن المدير ينبغي أن يكون إطارا متعدد الاختصاصات بالشكل الذي يسمح له بتشغيل فريق متكامل من المتخصصين في عدة مجالات منها الاقتصاد ، القانون ، تربية ، فلسفة … دون الدخول في تحديد علاقة هذا الاطار بمختلف التخصصات تاركين بشيء من التحدي نفي ما نتصوره لمن يرى عكس ذلك .
وكما هو معلوم فقد توصلت النقابات الأكثر تمثيلية في البرلمان والجمعية الوطنية للمديرات والمديرين والوزارة إلى اتفاق مفاده تخصيص إطار متصرف تربوي خاص بهذه الفئة مع الإشارة إلى ٌهيئة الادارة الربوية ٌ ضمن المكونات الأخرى للتربية والتعليم في المرسوم بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الذي هو الآن في اللمسات الأخيرة بمديرية المنازعات والشؤون القانونية . كما صرحت الوزارة في أحد اللقاءات مؤخرا بمركز التكوينات والملتقيات بالرباط عزمها على تنظيم مباراة لولوج سلك الادارة التربوية بالمراكز التي ستخصص لهذه الغاية في غضون شهر شتنبر المقبل وسيتم التفرغ للتكوين النظري والميداني لمدة سنة تتوج بدبلوم متصرف تربوي ولم يتم الحديث عن شروط الولوج التي ربما ستحددها مذكرة تنظيمية في الموضوع ، على أن يبرمج التكوين في مصوغات محددة بالنسبة للمديرين الممارسين حاليا لتمكينهم من نفس الدبلوم بعد النجاح . أملنا أن تتوفر الوزارة على الإرادة وأن تكون جادة في الموضوع حتى يكتب النجاح لأي إصلاح مرتقب ، خاصة بعد تنصيب الأعضاء الجدد للمجلس الأعلى للتعليم قصد الانكباب في جلساته على مرحلة التقييم في إطار مرجعية الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،فمرحلة التشخيص مرورا ببلورة تصور لأجرأة دعامات الميثاق وانتهاء باستشراف للمنظومة التربوية مستقبلا فإخراج الإصلاح إلى الوجود الذي من المفترض بل من المفروض أن ينخرط فيه الجميع وبكل تلقائية .