بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

 

بعد مسيرة إصلاح اعترضتها عدة انتكاسات وفشل ذريع استنزفت الخزينة على مدى  أكثر من 40 سنة وكلفت الدولة  غاليا، وحملت الشعب أكثر مما مالا يطاق وقضت على مستقبل أجيال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. هذه المنظومة التي وضع شانها بأيد أناس لا قبل لهم بها ،وممن ليس بينهم وبينها الا الخير والإحسان. وهم ابعد ما يكونون منها أصلا وفصلا وفعلا وقولا ،ويحسبون أن الأمانة الملقاة على عاتقهم مجرد ربطة في أعناقهم يزينون بها ياقاتهم ، إلا أنهم كانوا ظالمين و جاهلين وسيتولى الله أمرهم في كل الأحوال ،مهما كان الواجب لا يرحمهم ولا يمهلهم إلى ذلك الحين ، وإنما ينبغي محاكمتهم قبل ذلك شر محاكمة ليبقى ذكرهم في حافظة التاريخ عبرة لكل من يتطاول إلى المعالي على حساب شقاء الشعوب  

      فإذا كانت المنظومة التربوية ضحية هؤلاء الضعفاء ، فإنها كانت أم ملايين ضحايا من  اسند إليهم أمرهم منذ فجر الاستقلال ،عندما ظلوا في انتظار ساعة الحسم الأخيرة التي أدت بوادرها بالمغرب إلى نكسة  اقتصادية واجتماعية وثقافية وإدارية ،أعادته إلى الوراء أربعين سنة .وجعلته كلما أراد الإقلاع وجد نفسه مقيدا إلى وتد غائر في أعماق الجهل والأمية  يشده الى عقود مماثلة .  

  فما أنتجت هذه المنظومة على مدى أربعة عقود أو أكثر منها سوى البطالة والجريمة والفساد بأنواعه وألوانه في كل القطاعات العامة والخاصة ،حتى ما وجدنا أي قطاع من هذه القطاعات قد أحرز تقدما أي تقدم في أي مجال اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو تربوي أو أخلاقي ، مما قد يجعل كل وزير من الوزراء المتعاقبين على هذه الوزارة قد ساهم بقسط وافر من الفساد والإفساد، وليس منهم ولا فيهم من احد أضاف لبنة إلى هذا البناء المتصدع بل المنهار على رؤوس الأجيال .

    عشرات الآلاف من الدكاترة ، ومئات الآلاف من  المجازين ،وملايين  الخرجين من المعاهد والجامعات على مدى السنين العجاف مازالوا يصطفون إلى اليوم في طوابير لا محدودة  ،ويحتشدون في الساحات والشوارع ، ويعتصمون أمام أبواب الوزارات المغلقة ،ولم تجد لهم الحكومات مناصب شغل تلائم تخصصاتهم وتوافق معارفهم ،سوى حشدها لآلاف رجال الأمن   والدرك والقضاة العاملين على كبح هذه الكرة الثلجية المتدحرجة التي تسير في منحدرها نحو المجهول

   حتى كانت الديمقراطية المفروضة من طرف عولمة متغولة ،لا  ترحم شعب هذا البلد المهيض الجناح ،حينما باتت تفرض عليه فروضا لا قبل له منها، وتكدس عليه حملا على حمل  يرزح تحت أثقالها  التي تنقض ظهره، دون أن  ترفع له ذكرا أو تقيم له شانا أو وزنا بين أمثاله من الشعوب المتقدمة أو السائرة نحو التقدم حتى ظلت الحرية سيفا بين أيد مجانينه، والديمقراطية تشريعا بين أيد جهلائه وحقوق الإنسان  مجرد أغنية عاطفية تردد على لسانه ومسمعه ، وظهر الشعب فيه لا يختلف عن كونه إنعاما مستهلكة ،تحيى على ما يجود به العالم المنتج من أعلاف  صالحة أو طالحة يملئون  منها البطون.

   منذ نصف قرن لم تنتج المنظومة التربوية في وطننا  أجود خلف لأسوأ  سلف  ولا أجمل قديم لأقبح قادم ، باستثناء لصوص مختصين في فن اللصوصية  ومجرمين  متفننين في علوم الإجرام ، وسياسيين متمسحين بمسوح المتدينين والمثقفين والعلماء والمفكرين ، أولائك من أسندت وتسند إليهم أمور هذا البلد الذي يعتمدون في تدبير شانه على  أفكار وصور وأزياء يستوردونها من وراء البحار كهدايا يريدون أن يفرضوا لبسها على أبناء هذا الوطن ، وما يريدون بها  سوى تجريدهم من عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية ، ومن هويتهم الوطنية بدعوى التقدم والتحضر والعصرنة ، كما جاءونا بالأمس ومن قبل بقوانين تخالف أعرافنا وبمدونات لا تتماشى مع واقعنا ، وبنظم لا تنسجم مع طباعنا ،كما جاءونا بأغاني  فاحشة بعد أن أقاموا لها مهرجانا للتعري باسم  الانفتاح الثقافي على العالم ، وطلبوا منا أن نتفاعل معها رغم جهلنا لمعانيها في إطار حرية التعبير التي قد تسيئ إلى كرامتنا وشرفنا وسمعة وطننا .

      ولما تعرى شبابنا وشمروا، وأجرموا وافسدوا في الأرض ، قيل لقد عاثوا فيها  وتمردوا على قوانينها ، فإذا كان صاحب الجلالة قد تنبه إلى الوضع فأسرع إلى إغاثة هذه المنظومة ، و رأى ضرورة إصلاحها بأقصى ما يمكن من السرعة باعتبارها الأساس والقاعدة التي يقوم عليها صرح هذا الوطن . وعسى أن يكون إمساكه على زمام أمرها بيد حديدية . بعد إدراك محقق لمآلها المنذر بسقوط هذه الدولة ،ولسوء عاقبتها التي  تعرض مستقبل هذا الوطن ومستقبل شعبه إلى ضياع وخطر الاضمحلال والذوبان .

      وفي حالة العكس، فان مسئولية كل عاقبة سيئة قد تعود بعد اليوم إلى هذا المجلس الذي اشرف على تأسيسه صاحب الجلالة ، وهو يحتوي على فعاليات من مختلف شرائح المجتمع المدني ، ومن خيرة أبناء المنظومة و أهلها ومن يدعون أنهم أدرى بشعابها واقدروا على إصلاح مفاسدها. نتمنى كما يتمنى كل غيور على هذا الوطن أن يتوصل هذا المجلس في اقرب الآجال إلى وسيلة إنقاذ هذه المنظومة وبإنقاذها سيتم إنقاذ هذا الوطن وشعبه من ضياع محقق أصبح قبا قوسين أو أدنى منه .