بقلم : الخضير قدوري

تاوريرت

 

 

لم تكن كارثة حي بوركون ،وحادث انهيار العمارتين بمثابة أخر دمعة حزن في العيون ، و إنما هي شبه إنذار بما قد يليه من كوارث انهيار عمارات من نوعها في شتى مدن المملكة ، ومن بينها مدينة تاوريرت المصنفة في رتبة متقدمة والتي تشهد طفرة نوعية في أشغال تشييد البنايات العشوائية للعمارات من طوابق متعددة ، في وسط المدينة كما  في أطراف أحيائها الشعبية ،و التجزئات السرية المحيطة بها في غياب شبه تام لمراقبة المهتمين بالشأن العمراني ومتابعة المختصين في الشأن المعماري . 

   هذه المدينة التي يراعى فيها معيار الظل ، والوقاية من حرارة الشمس أحيانا دون مراعاة لمعايير أخرى كالعواصف المدمرة ، والسيول الجارفة ، والاهتزازات الطبيعية . ولا لمدة صلاحية المشروع والمواد المستعملة فيه . كثير من العمارات ذوات الطبقات المتعددة في هذه المدينة قد تقوم على أرضية هشة ، لا يتجاوز عمق أساساتها بعض السنتيمترات ، مع تواجدها في مواقع غير أهلة ، ولا هي صالحة للبناء على ضفاف مجاري السيول والفيضانات،وفي المنحدرات المنجرفة وفي تجزئات سرية قد يتم فيها البناء على أنوار الفوانيس وتحت أشعة القمر  .

   ناهيك عن مدى ضعف الدعامات والمواد المستعملة لرفع هذه العلب من الأجور والطوب و الاطوان من الخرسانة الهشة ، التي لا تراعي فيها الجودة  والصلاحية ولا حتى كفاءة المقاولين أو البنائين الذين يتولون انجاز مثل هذه المشاريع ، ومعظمهم  قلما كانوا يتوفرون على خبرة علمية ، أو يتلقون تكوينا مهنيا ، أو كانوا يملكون آليات ضرورية باستثناء الرفوش والمعاول و بعض الألواح الخشبية المؤجرة .

    وحينما نطل على مدينة تاوريرت من مداخلها الأربعة ، قلما يظهر لنا أن هناك بناية تقل عن ثلاث طبقات إلى ستة طوابق ، كلها تقوم على أرضية لا تتجاوز مساحتها مائة متر مربع وأحيانا قد لاتصل إلى خمسين مترا مربعا . لست ادري إن كان قانون التعمير يسمح برفع  عدد من الطبقات على مثل هذه المساحة الأرضية ، في شكل صومعة مسجد ، لا احسب ذلك ولكنه قد يمكن  بطرق ملتوية بمساعدة بعض المسئولين المتواطئين في منح  رخص إصلاح  دون مراقبة الإصلاحات المرخص لها ، ولا متابعة الأشغال المسموح بها في هذا الإطار 

       من بعيد تبدو مدينة تاوريرت من غربها إلى شرقها ، ومن شمالها إلى جنوبها ، ببناياتها المتعالية عبارة عن علب من الأجور الأحمر ، كأنها مشروع مدينة متوقف أو غير مكتمل ، فيتبادر إلى ذهن المتأمل لهذه الظاهرة وكأن هذه المدينة ملكا لشخص واحد من حيث الشكل ، ومن يتولى بناءها مقاول واحد هو مجبر على انجاز العمل وفق تصميم الموحد ، قبل أن  يكشف لنا  بعض الحرفيين عن سر ذلك ، حينما  أفادنا بان عدم ترميم الواجهات متعمد من طرف المالكين من اجل الاستمرار في البناء دون ترخيص ، ورفع الطبقات المخالفة للتصميم  وما يخفى من أسرار المتعاملين في هذا القطاع فوق ما يتصور ، ليبقى المستقبل وحده من  سيكشف عنها ، وليس غير الطبيعة اقدر على تعريتها ، إذاك ستكون الكارثة لا قدر الله أعظم ، وليس ثم ما يمكن فعله لرد ما كان  سيكون لا محالة  ، وان ما ينبغي فعله قبل ذلك هو أن نتوقع ما سيقع في يوم من الأيام القريبة أو البعيدة ، كلما هبت هبة أو عصفت عاصفة ، أو حدثت هزة بأدنى قوة على سلم ريشتر . حينذاك قد لا يمكن تحديد حجم الخسائر في الضحايا والمصابين بالعشرات والمئات ، فلا يسع رجال الوقاية المدنية إلا أن يكونوا على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات الممكنة مع الاحتفاظ بهذه المقالة للذكرى والتاريخ .