الخضير قدوري  :

 

منذ فجر الاستقلال الى يومنا هذا كانت وما زالت ازمتنا ازمة ثقافية ومعرفية قبل ان تكون سياسية او حزبية او اقتصادية او اجتماعية كنا وما زلنا منذ ذلك الحين نسعى الى خلق الطاقات وتنشئة الفعاليات الا اننا قد فشلنا منذ البداية في انشاء المنشات وتزويدها بالاجهزة والوسائل المنتجة لهذه القدرات والكفاءات التي اصبحنا احوج مانكون اليها
هذا الفشل الذريع الذي جعل المعلم والاستاذ وان كتب لهما الوصول الى مركز القرار يفشلان في اصلاح مفاسد قطاع التربية والتعليم ويجعل الطبيب والممرض كذلك يعجزان عن اصلاح مفاسد قطاع الصحة وتوفير اسباب العلاج وجعل الثري ورجل الاعمال يضا غير مؤهلين لتدبير الاقتصاد وتوفير الشغل للشباب وكذلك جعل الشرطي والدركي غير قادرين على استتباب الامن والاستقرار والقاضي والمحامي عاجزين عن ارساء قواعد العدل والانصاف وضمان الحقوق .عندئذ وجب التفكير بجد في ضرورة اعداد الانسان وتهيئ المكان للخروج من الازمة والتغلب على اسباب العجز والفشل ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب ليستقيم الميل بين حكومة تنفيذ الاوامر وحكومة تصريف الاعمال وحكومة متحكم فيها عن بعد فقد المغرب بوصلته وضيع كثيرا من الفرص السانحة وتاه في المتاهات المتعددة مكرسا معظم وقته في التجارب الفاشلة والانتظارات المخيبة ، وبين حكومات التناوب الحزبية وتلك المطعمة بالفعاليات التكنوقراطية تصدعت قواعد الديموقراطية واختلت موازين مؤسسات الدولة فانتفت الروح الوطنية واندثرت معالم وحدود المسؤولية ثم ضاعت فيما بينها مصالح الوطن وحقوق المواطن
لولا هذا ما خاب ظن ملك البلاد في قدرة احزابنا على توفير الكفاءات واستقطاب القدرات التي تنهض بحمل انقض ظهر وطننا وترفع ذكره بين الامم والدول المتقدمة والسائرة في طريق التقدم هل يمكن لابن الميدان وان كان كفئا هو قادر على تغيير وجهة مركب حكومة قد اقلع وشق طريقه في البحر نحو اتجاه مجهول المسالك بالنسبة للراكب الجديد ؟ وهل سيتخذ له وجهة اخرى مخالفة قد يراها مجدية ويرسم طريقا اخر يراه سالكا فيسمح له طاقم السفينة بالقيادة والتحكم في الة التوجيه ام ترى عليه ان يجلس على مقعده وينتظر وقت وصول السفينة بسلام الى شاطئ السلامة
اجدها حكومة ثلة من الاولين وثلة من الاخرين ليست بالقديمة ولا بالجديدة وبينهم حاجز يمنعهم فلا يلتقون . ثلة من المتحزبين المغرضين والسياسيين الاميين وثلة من التكنوقراطيين اللامنتمين والاكفاء والمثقفين وبينهم ايضا برزخ يحول دونهم قلما يجتمعون . حكومة شد وجذب مشكلة من طرفين نقيضين مشدودين الى وتد ضارب في عمق التاريخ منذ 1953 الى حين فك رباطهما بحلول سنة 2021 كذلك يبقى مصير شعب هذا الوطن مقيدا ورهينا ومحتجزا في قاعة الانتظار الى ذلك الحين
هكدا ظل المغرب قرابة 70 سنة يرزح تحت حمل تتكدس على ظهره اثقاله يوما بعد يوم وليس عاما بعد عام دون ان يحاول يوما فيجرب قدرته على النهوض بهذا الحمل الا بعد ان خوى عوده وذوى عموده وخارت قوته عندئذ وبعد فوات الاوان انتبه الى ضرورة البحث عن قدرات فكرية علها تدعمه بعكازة يعتمد عليها للنهوض بثقل وزر انقض ظهره وتمده بطاقات متجددة يستمد منها قوته للتغلب على سوس مفسد طالما برى عظمه واكل لحمه وشرب دمه وانهك جسمه منذ عقود خلت، وتشد ازره بكفاءات وفعاليات ثقافية تتحلى بروح وطنية لتتولى تدبير شؤونه العامة فتعينها بعين عنايتها وترعاها بحسن رعايتها لعلها تسعفه للمرة الاخرة من سكتة قلبية تعاوده كل مرة وتنقذه من الغرق في المستنقعات الاسنة وتنجيه من الوقوع بين انياب التماسيح والوحوش الضارية ومخالب العفاريت والصقور الجارحة. ممكن الى حد ما ولو بنسبة امل قليلة في الوصول الى مكامن هذه الطاقات المنبوذة واكتشاف هذه الفعاليات المهملة والاهتداء الى مخابئ هذه الكفاءات المتخلى عنها والقدرات الوطنية النشيطة خارج الاطارات الحزبية المفرط فيها من طرف الدولة …لكن دون شك قد يكون البحث مضنيا وتكون تكاليفه أيضا والى حد ما جد باهظة