بقلم:عزالدين قدوري

في إطار أنشطتها المتنوعة بالإقليم قامت المحكمة الابتدائية بتاوريرت و بتنسيق مع المجلس العلمي المحلي بتاوريرت و هيئة المحامين بوجدة و جمعية ملوية لدعم المرأة والطفل بتاوريرت . بتنظيم ندوة علمية تحت عنوان : ( النوع الاجتماعي – مقاربات متعددة )
و ذلك بتاريخ الأربعاء 19 يونيو 2019 بقاعة الندوات بالمركب الاجتماعي مولاي علي الشريف – تاوريرت- .
الندوة استهلت بكلمة افتتاحية للأستاذ احمد ميدة رئيس المحكمة الابتدائية بتاوريرت، رحب من خلالها بكل من السيد رئيس المجلس العلمي المحلي و السيد رئيس المجلس الإقليمي والسيد باشا المدينة والسيد مندوب الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى جانب الحضور الذين غصت بهم القاعة من موظفي و موظفات المحكمة الابتدائية و قيمين دينيين وفعاليات حقوقية و جمعوية و فئات من المجتمع المدني وغيرهم من المهتمين .
و وفقا لبرنامج الندوة فقد ترأس السيد احمد ميدة الجلسة الأولى ، وحررت تقريرها الأستاذة فاطنة هاملي ( موظفة بالمحكمة لابتدائية بتاوريرت) .
الجلسة الأولى
استهل عبد الحق الكويرتي الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بوجدة ، المداخلات بعرض حول ( فلسفة القانون في مقاربة النوع الاجتماعي) أوضح في بدايتها مفهوم الجندر كمصطلح انجليزي gender الذي يترجم بالنوع الاجتماعي و أنه بالأساس هو مقولة ثقافية و سياسية يختلف عن الجنس باعتباره معطى بيولوجيا ، ويعني الأدوار و الاختلافات التي تقررها وتبنيها المجتمعات لكل من الرجل والمرأة. و بين أن البحث في الجندر يمكننا من تعويض الماهوية البيولوجية بالبنائية الثقافية، بحيث يتبين لنا بأن الاختلاف بين الرجل والمرأة مبني ثقافيا وإيديولوجيا وليس نتيجة حتمية بيولوجية. ثم إن هذا المفهوم أداة فعل في الواقع وبحث في مجالات التنمية من حيث التقسيم الاجتماعي للأدوار. وأضاف أن عدم الفهم الجيد لهذه المقاربة شكل وسيشكل عائقا كبيرا أمام الاستفادة منها وتنزيلها على أرض الواقع وبالتالي سيشكل عائقا أمام رفع التحديات المتمثلة، من جهة، في تفعيل مقتضيات القانونية التي تنص بشكل صريح و واضح على أنه “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية” ومن جهة أخرى، في الوفاء بالالتزامات أمام المجتمع الدولي و ما تنص عليه المواثيق الدولية .
وفي المداخلة الثانية تناولت جميلة شرادي الأستاذة الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة علم الاجتماع بوجدة عرضا حول (النوع . مقاربة سوسيولوجية ) بينت فيه الجندر كمصطلح وضع لوصف خصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعياً في مقابل تلك الخصائص المحددة بيولوجياً. وأكدت على انه و في إطار هذا السياق فان عملية استجلاء مفهوم الجندر أو “النوع الاجتماعي” يتطلب التمييز بينه وبين مفهوم الجنس أو “النوع البيولوجي”، فبينما يقتصر مصطلح الجنس Sex على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة و كون الفروق الجسدية بين الرجل والمرأة فروق ثابتة وأبدية، نجد أن مصطلح الجندر مفهوم دينامي حيث تتفاوت الأدوار التي يلعبها الرجال والنساء تفاوتاً كبيراً بين ثقافة وأخرى ومن جماعة اجتماعية إلى أخرى في إطار الثقافة نفسها، وأسهبت في هذا الصدد في تناول العرق، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، كعوامل تؤثر على ما يعتبر مناسباً للنساء من أعمال. وخلصت إلى إن طرح مفهوم الجندر كبديل لمفهوم الجنس يهدف إلى التأكيد على أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم، فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً، يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة.
من جهة أخرى تطرق الأستاذ جواد تعليت الطالب الباحث والفاعل الجمعوي بشكل مقتضب في عرض له معنون بـ (مقاربة النوع الاجتماعي – واقع وآفاق)
ابرز في مستهله ادوار النوع الاجتماعي ” الجندر” خصوصا تلك الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة والتي تتشكل وتتغير وفقا للظروف وللمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والسياسية لبلد أو مجتمع ما. وعلى رأسها الأدوار الإنتاجية، الأسرية، الاجتماعية والسياسية.
وختم بالإشارة إلى أن كل من الدور المجتمعي والسياسي يشتملان على الأعمال التي تجري عادة في المجال العام وتعطي مكانة أكبر في المجتمع. و أن الرجال في العادة لديهم إمكانية أكثر من النساء للقيام بهذه الأدوار التي تتطلب التفرغ و هذا الشرط يعد من بين الأسباب التي تحول دون تواجد النساء بشكل كبير على الساحة السياسية وعلى مستوى صناعة القرار بالنظر إلى أدوارهن الفطرية الثابتة والموازية التي يقمن بها.
وبعد ذلك عرجت الأستاذة نوال الرمضاني رئيسة الوحدة الإدارية و المالية بالمجلس العلمي المحلي في عرض لها بعنوان ( مقاربة النوع الاجتماعي من خلال النوازل الفقهية عند الفقهاء المغاربة ) على أهم المراحل التي مرت بها المرأة والتي عرفت زخما كبيرا في إنتاج النوازل الفقهية، وفي ظهور عدد من كبار فقهاء النوازل، و التي تميزت أيضا بصدور فتاوى تعنى بالدفاع عما يسمى اليوم بحقوق المرأة، كما أكدت الأستاذة نوال الرمضاني في مداخلتها على أن الدراسات الفقهية تروم الارتقاء بمكانة المرأة، ونصرة قضاياها. وتروم من خلال ذلك كله أن تستبين دور المرأة وحضورها ووضعها في الحياة العامة ، من خلال ما تثبته النوازل الفقهية من مشكلات ثار بصددها جدل فقهي، ونقاش اجتماعي، وقال فيها فقهاء العصر كلمتهم، لتوضح في الأخير من ذلك مدى مراعاة فقهاء الإسلام لكيان المرأة، ومدى حرصهم على صيانة حقوقها، واعتبارهم إياها مساوية لأخيها الرجل في التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات.
و كتقييم للجلسة الأولى من هذه الندوة العلمية فقد جدد رئيس الجلسة الأستاذ احمد ميدة تثمين هذه المبادرة وتحدث عن أهمية موضوع الندوة وقدم ملخصا لأشغال جلستها الأولى ليفسح بعد ذلك المجال أمام الحاضرين للمساهمة في اغناء النقاش بطرح الأسئلة والإشكالات المرتبطة بالموضوع، التي تناوب على الإجابة عنها مؤطري الندوة العلمية .
الجلسة الأولى
ترأس هذه الجلسة الأستاذ عبد الصمد الازمي الادريس وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتاوريرت و قامت بتحرير تقرير أشغالها الأستاذة لبنى حداد ( موظفة بالمحكمة الابتدائية بتاوريرت) .
في بداية الجلسة رحب الأستاذ عبد الصمد الازمي الادريسي بالحضور و نوه بهذه المبادرة و تحدث و باقتضاب عن أهمية الندوة ( النوع الاجتماعي – مقاربات متعدد-) .
مباشرة بعد ذلك أعطيت الكلمة للأستاذ عبد الله الأمين رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بتاوريرت تقدم فيها بمداخلة بعنوان ( مقاربة النوع الاجتماعي من خلال مدونة الأسرة ) استهلها بالحديث عن التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع خلال السنوات الأخيرة و عن الالتزام التام للحكومة باستكمال أوراش العصرنة والتحديث التي دخل فيها المجتمع خاصة تلك المتعلقة بالإنصاف والمساواة و إصلاح مدونة الأسرة ، و مدونة الشغل …
و أشار إلى أن إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات التنموية جاءت لتعزز أوراش الإصلاح والتحديث، حيث مكنت السلطات العمومية من إعادة التفكير في آليات العمل على مستوى التخطيط والبرمجة وتنفيذ السياسات العمومية بهدف بلوغ أعلى درجات الإنصاف والنجاعة.
وقد قارب الأستاذ عبد الله الأمين هذا الموضوع من عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بقضية مساواة المرأة أثناء العلاقة الزوجية وبعدها مبرزا أهم ما جاءت به مدونة الأسرة من مكتسبات للمرأة ، كما تناول أيضا محور المساواة وعدم التمييز في شقه المتعلق بالممارسة الاتفاقية .
وختم مذكرا بإلاصلاحات الواسعة التي عرفها المغرب، والتي تحققت بفضلها عدة إنجازات في مجال مأسسة المساواة بين الجنسين خاصة تعديلات النصوص القانونية والإصلاحات التشريعية الكبرى حيث (أصبحت مدونة الأحوال الشخصية مدونة الأسرة سنة 2004 وأدرج القانون الجنائي تجريم العنف الزوجي، كما أدخل قانون الشغل معاقبة التحرش الجنسي ، الخ… )
و من جانبها قدمت الأستاذة فاطمة قدوري رئيسة مصلحة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بتاوريرت مداخلة معنونة بـ ( مقاربة النوع من خلال مدونة الشغل ) أكدت فيها على أن مدونة الشغل تعتبر من أهم المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والتي عاشت خلال مخاض تواجدها مراحل الأخذ والرد حتى تم عرضها على الفرقاء الاجتماعيين لإعطاء رأيهم فيها و أن هذه المدونة جاءت لتثبيت موقف الجميع من السلم الاجتماعي خاصة بعد أن تعمق دخول المغرب إلى العولمة بعد توقيعة على اتفاقية مراكش (الكاط) سنة 1994. ومن خلال دعوة صاحب الجلالة للحكومة والبرلمان إلى الخروج بمدونة شغل عصرية ، كما أوضحت المتدخلة أن مدونة الشغل جاءت بترسانة مهمة تتضمن مقتضيات لصالح المرأة كالمساواة و أنها هي نفسها تتضمن مقتضيات تمييزية و كيف أن مجموعة من النساء مقصيات من الحماية القانونية كما هو الشأن لقطاع الصناعة التقليدية الغير مهيكل و عدم المساواة في الأجر بين الجنسين . وفي ختام مداخلتها قدمت الاستاذة فاطمة قدوري تقييما عاما لمدونة قانون الشغل أكدت فيه على أن هناك مقتضيات تمييزية فيما يخص المرأة ، تلك التي تحدث عنها المشرع و أن هناك أيضا نساء مقصيات كليا من الحماية و حرمان فئة من النساء من حقهن في الانتماء النقابي .
وخلصت المتدخلة إلى أن هده القوانين لا زالت تتطلب مزيدا من الاجتهاد لملائمتها مع المواثيق الدولية والى ذلك الحين يبقى الأمل كبيرا في القضاء المغربي .
أما الأستاذ نورالدين السعيدي نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتاوريرت فقد افتتح مداخلته المتمحورة حول ( مقاربة النوع من خلال قانون محاربة العنف ضد النساء) بالتذكير على أن المغرب مهتم بشكل كبير بقضايا المرأة مند القدم من خلال مرجعيته الدينية الاسلامية القوية وليس حديث العهد بقضايا المرأة من خلال الاستجابة للمواثيق الدولية. و قدم شرحا مفصلا للقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء و الذي قال عنه انه يندرج ضمن الجهود الوطنية الهادفة إلى النهوض بقضايا حقوق الإنسان عامة وقضايا المرأة على وجه الخصوص .
وفي صلب مداخلته قال الأستاذ نورالدين السعيدي أن مشروع القانون رقم 103 13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي أعدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ووزارة العدل والحريات جاء بالأساس ليسد الفراغ القانوني المتعلق بمختلف مظاهر الجريمة ومظاهر التمييز التي تتعرض لها المرأة وان هذا القانون بالتالي شكل بارقة أمل في ظل تنامي هذه الظاهرة استنادا إلى نتائج البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط حول انتشار العنف ضد النساء بالمغرب، حيث أظهرت الإحصائيات أن نسب مهمة من النساء تتعرضن للعنف و نسب أخرى منهن يذهبن ضحيته داخل مؤسسة الزواج.
و في مداخلة الأستاذ عبد القادر المسعودي محامي بهيئة وجدة حول ( مقاربة النوع من خلال السياسة الجنائية ) قدم شرحا أوليا لمصطلح النوع كمفهوم دخيل تم تعريبه وفق مفاهيم و مرادفات قد لا تعكس مفھومه في غالب الأحیان. و نفى أن يكون لمفهوم النوع أي علاقة بحقوق المرأة والتي حصرها في ثلاث نقاط أساسية وهي ( المساواة ، ومنع التمييز ، و مناهضة العنف ضد المرأة ).
و تساءل عن محل النوع من هذه الحقوق ؟ ليتقدم بعد ذلك بالإجابة على أن النوع يرتبط بالتاريخ وخصوصا فيما يتعلق بالصراع الجدلي بين المرأة والرجل. و قدم أمثلة عنه وفق صيرورته التاريخية وما عرفه من تطورات ليصل إلى خلاصة مفادها أن مقاربة النوع الاجتماعي جاءت نتيجة للصراع الأزلي بين الرجل والمرأة و الممتد في الزمن وان هذا المفهوم لا صلة له بحقوق الإنسان بتاتا .
بعد ذلك انتقل المتدخل إلى شرح عنوان عرضة و تناوله بالتحليل مؤكدا على انه من المعلوم أن الحدیث عن إدماج مقاربة النوع في السیاسة الجنائیة لیس بالجدید ، و مشيرا إلى أن ھذا الموضوع تناوله مجموعة من الفاعلین و المھتمین على طول السنین، فإذا كانت السیاسة الجنائیة تنبني على النظر في الأسس التي تقوم علیھا سیاستي التجریم والعقاب فإن مقاربة النوع في ظل سیاسة جنائیة حمائیة یجب أن تكون في إطار تصور شمولي یعكس فلسفة وروح الدستور ، و الذي جاء بمكتسبات عدة تجسد الرقي بالنوع الاجتماعي إلى أبعد صورة له ، أھمھا ما جاء في تصدیر الدستور ” حظر ومكافحة كل أشكال التمییز ، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجھوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي ، مھما كان .”
وسجل ملاحظته حول الإعلام الذي لم يتناول قانون 103 13 بشكل جدي يطابق حجم هذا القانون الذي صفق له الجميع لما جاء به من امتيازات حقيقية.
وقبل غلق باب المداخلات تناول رئيس الجلسة الأستاذ عبد الصمد الازمي الادرسي وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتاوريرت كلمة ختامية قال فيها إن الحدیث عن النوع الاجتماعي من مختلف الزوايا سواء الدينية أو السوسيولوجية أو القانونية يبقى حدیث تتداخل فیه مجموعة من الإشكالیات المترابطة فیما بینھا، بفعل تداخل مجموعة من العوامل و أن النوع الاجتماعي يبقى من ضمن انشغالات المغرب الكبرى باعتبارها تمثل رهانا مرتبطا بالحكامة الجيدة والنمو الاقتصادي وبناء مجتمع ديمقراطي. ليفتح المجال بعد ذلك أمام الحضور للإدلاء بتعقيباتهم التي أغنت هده الندوة العلمية و خرجت بتوصيات مهمة ستعمل المؤسسات المنظمة لهذا اللقاء و السادة المحاضرون على بلورتها على أرض الواقع طبقا لمنصوص الدستور وباقي المساطر.

تعليق فاعل جمعوي حول الندوة 

 

الجلسة الاولى

الجلسة الثانية