عزالدين قدوري :

 لا يمكن لأي متتبع للشأن المحلي إلا أن يبارك المشاريع القليلة و المعدودة المندرجة في إطار إعادة تأهيل مدينة تاوريرت و التي تحقق أخيرا جزء ضئيلا منها وبعد طول انتظار قد تمتد مدته الى فترة ولاية المجلس السابق ، ولم يتم إنزالها الا بعد تدخل من طرف عمالة إقليم تاوريرت.
فرغم ان هذه المشاريع التي تتضمن مساهمة عدد من الشركاء، و كما تحمل ايجابيات فهي أيضا تكتنفها عدة هفوات وجب الوقوف عندها
المشاريع التي جاء بها المخطط المندمج لمدينة تاوريرت، لا تستند إلى أي تشخيص لحاجيات السكان الحقيقية، مما جعله يخلو من الطابع الاجتماعي، وحتى البيئي اللذان يعتبرا من الأولويات. ويتبين ذلك أكثر من خلال تركيزه على وسط المدينة فقط، أي الاستمرار في نهج ما يسمي تعمير وتنميق الواجهة ، و تجاهل هوامش المدينة التي ينهشها الفقر وتردي البنيات التحتية ومختلف المرافق الاجتماعية، وما تلا ذلك من ردود أفعال شعبية خاصة فيما يخص قطاع الصحة و تجار السوق و الباعة المتجولين … ومشاكل عديدة تعرفها المدينة.
و تعرف تاوريرت غياب تام لأي تخطيط مسبق، ودراسة مسبقة، فالمدينة تحتاج الى انجاز مخطط حضري شامل، أي التوزيع الأمثل للموارد المالية على كامل تراب الجماعة، وهو الأمر الذي سيسمح بتقليص الفوارق السوسيومجالية. ويعكس هذا عدم قدرة كل الفاعلين على تجاوز التفاوتات الصارخة داخل نفس المجال الحضري.
هذا الى جانب الهدر المستمر للموارد المالية في مساحة صغيرة من البلدية، ونأخذ هنا على سبيل المثال الجسر الذي يوجد وسط المدينة والدي أعيد تتبيث سياجه بالرغم من عدم وجود أي داعي لذلك في حين كان من الضروري إضافة قنطرة أخرى للتخفيف من الضغط الذي تعرفه القنطرة الحالية خاصة في فصل الصيف و العطلات و الأعياد الدينية و الوطنية و الأمثلة كثيرة … ومثال آخر قنطرة المحطة التي أصرفت أموال كثيرة عليها والتي أصبحت أخيرا ملجأ للكلاب الضالة و المنحرفين بحيث لا يستطيع المرور بها أي احد بعد أن تحولت إلى مصدر قلق أمني بالنسبة للسكان … وهذا يحيلنا على العشوائية في اتخاذ القرارات و التي ميزت منتخبينا في غياب تام لأي تخطيط حضري مسبق …
وإذا كانت بعض المشاريع تعد استعجاليه وذات أولوية، كتبليط الأزقة ومد الطرق والصرف الصحي الذي يقتصر على الواجهات ومناطق معدودة دون غيرها … فإن مشاريع أخرى تعد هدرا للمال العام في ظل غياب التخطيط الحضري والبعد الاجتماعي والتنموي والتكافؤ بين مختلف مناطق وأحياء المدينة…
وهذا يحيلنا على سؤال عميق نتمنى أن نجد له أجوبة شافية :
– لماذا تقتصر هذه المشاريع فقط على الواجهة و بعض الأزقة فقط دون غيرها؟
تعد إشكالية النقل والتنقل داخل المدينة من الإشكاليات العويصة التي لا تنتبه إليها المجالس المنتخبة، بل تتجاهلها. فالمدينة بدأت تعرف اختناقا في حركة المرور خاصة في وقت الدروة ، ومع تزايد السيارات، ودخول وسائل النقل من الحجم الكبير إلى وسط المدينة يزداد الوضع سوءا. لذى كان على المخطط أن يحمل حلا لهذه الإشكالية عبر تشييد جسرا آخر بالقرب من الجسر الحالي و فتح محاور في هوامش المدينة وكذلك تقوية جاذبية شوارع أخرى عبر تهيئتها على شاكلة شارع محمد السادس.
فإذا كان تصميم التهيئة هو وثيقة تعميرية تنظيمية أساسية تحدد قواعد استعمال الأرض داخل المجال الترابي الذي تغطيه، كما تترجم توجهات مخطط توجيه التهيئة العمرانية عند وجوده إلى مقتضيات ذات طابع قانوني ، وهي الكفيلة بتنظيم المدينة وتوقع الوضعية المستقبلية للمدينة. نتساءل :
– إلى أي حد كان هناك تناغم بين المشاريع التي يتضمنها المخطط الحالي وهذه الوثيقة؟
فرغم الإصلاحات الشحيحة التي تعرفها المدينة فإنها لم ترضي الساكنة بل و كما ذكرت في هذا المقال وفي مقالات سابقة، فقد عمقت التفاوتات السوسيومجالية و جعلت المشهد الحضري متناقضا بين أحياء الداخل و الهوامش من جهة، و شوارع الواجهة من جهة أخرى.
انه تنميق وتزويق للواجهة، و تهميش للهوامش و تكريس لتفاوتات صارخة بين مركز المدينة وهامشها في ظل طغيان البعد السياسي على البعد التنموي في تدبير الشأن المحلي، وغياب الرؤية الإستراتيجية المؤطرة لمستقبل المدينة.
وهذا ما جعل معظم سكان المدينة ييأسوا و يفقدون الثقة في الممثلين الانتخابيين .