الخضير قدوري:

  قد اكتب فقط لمن يتصبرون على قراءة ما اكتب، واقول فقط لمن يفهمون معنى ما اقول، أولئك الذين تعلموا الكتابة بالطباشير على اللوحة السوداء قبل ان يمسكوا بقلم الرصاص ويكتبوا على دفتر من اثنى عشرة صفحة ولا شك ان هؤلاء قلة ،وحينما سيقرأون عنوان هذه المقالة سيتذكرون الكاتب الرمنطي الشهير جبران خليل جبران صاحب كتاب “دمعة وابتسامة ” لكن الأمر شتان بين دمعة جبران وابتسامته ودمعتي وابتسامتي
دمعتي من إشفاق على الوضع السائد وابتسامتي سخرية ممن يرضون بهذا الوضع الرديء ، من الهم ما يضحك ومن الضحك ما يبكي .وكأن هذا البلد مرعى يتعهده ويرعاه الملك وهذا الشعب قطيع يحلبه ويجزه الرعاة ،سأتحدى أي جاهل يجلس إزاء خشبة مسرح النواب متأملا مظاهر شخوص المسرحيات المعروضة على الأنظار فلا يضحك من حركاتهم ، وأي عالم يتابع أحداثها فلا يبكي من مضامينها ،ولعل من يفهم قولي قد يعي من اعني
ولكن لا احسب بين هذا الشعب من لم يعلمه الزمان على مدى أكثر من نصف قرن ويقرئه التاريخ كيف كانت تنطلي عليه وعلى إبائه حيل الدهاة من يسمون انفسم زعماء وسياسيين اذكياء، إلا ان يكون ذا ذاكرة خاملة قلما تحتمل تخزين المعلومات و تحفظ التجارب وتتذكر المحن فلا يلدغ صاحبها من الجحر مرتين ،او يضل طوال هذه المدة لم يعلم او يتعلم او يفهم ان آفة وطنه تكمن في تعدد أحزابه وفي أحزابه كلية دون استثناء ،هذه الأحزاب التي سودت وجه الديمقراطية وخربت المنظومة التربوية باعتبارها روح الفساد الذي ينخر جسد هذا البلد، فتلك الحكومة المشكلة كتلك المجالس المنتخبة التي تدبر الشئون وتشرع القانون جميعها من صنع تلك الاحزاب المهترئة ،التي نشأت عبارة عن شركات مركزية عندها عمالا وزبناء ولها فروعا في كل المدن والقرى، قد ينحصر دورها في استقطاب ما يمكن استقطابه والتاطير في اعتقادها احتواء ما يمكن احتواؤه من طبقات الشعب حتى لا يبقى منه واحد يغني خارج السرب ليس الا ، لقد ضلت منظومتنا التربوية بخير الى غاية الستينات وقد أنتجت أطرا في كل المجالات مازالت تشكل القاعدة التي تأسست عليها المؤسسات بما فيها الحزبية الى اليوم والى ان اسند أمر هذه المنظومة الى وزراء الأحزاب الذين انحدر معظمهم من عوالم المال والثرى ،صلتهم بالأرقام والعمليات الحسابية ولاعلاقة لهم بالحروف الأبجدية ،منذ ذلك الحين ضلت هذه المنظومة تشهد إصلاحات فاسدة وانتكاسات متتالية على مدى أكثر من خمسين سنة ،حيث لم تعد مدرستنا تنتج تلاميذ متشبعين بروح الأخلاق والتربية الوطنية والإسلامية ، ولا جامعتنا تنتج أدمغة وتخرج طلبة وباحثين أكفاء متشبعين بروح الكفاءة والاهلية لتزويد سوق الشغل وبمكونين ومتكونين يساهمون بقسط وافر في تنمية الاقتصاد وتطوير المجتمع وتدبير الشأن السياسي والثقافي من اجل الدفع بركب الوطن على سكة الأوطان السائرة نحو التقدم والازدهار ، وإنما ما نراه من انحراف قد يجر الى التطرف وتطرف يؤدي الى تمرد وتمرد يدفع الى القتل والتقتيل باستعمال كل الأدوات الإجرامية من خناجر وسيوف فإلى مسدسات وقنابل واحزمة ناسفة وغيرها من ادوات الاجرام المبتكرة كل ذلك من إنتاج منظومتنا التربوية ومن سياسة احزابنا المتهالكة ، لاشك ان كل هذه النتائج قد تنعكس سلبا على الفرد والمجتمع وتهدد الأمن والاستقرار في الوطن وتفقد دولتنا هيبتها وتجرنا الى الهاوية
فان كان ما ذكرته يستذرف الدمع ،فان ما سأذكره قد يثير السخرية ممن جادت بهم الانتخابات المزيفة بمن يسمونهم مشرعين نواب الأمة ومشرعي قوانين الدولة والمدافين على حقهم في الحصول على معاش دائم بعد ليس بعد الخمسين من عمر استقلال هذا الوطن ولا بعد الستين من عمر خدام الوطن وانما فقط بعد خمس سنين مباشرة مع انتهاء عهدتهم دون مراعاة السن والنقط والمعايير والشروط المعمول بها في سائر دول العالم ،وضربهم عرض الحائط بالقوانين المعمول بها والشرائع التي شرعوها والتي تخص المواطن ولا تخصهم .وقد عابوا على رئيس حكومتهم عدم استجابته لدعوتهم ولاموا بعض زملائهم الذين لم ينصاعوا لمطالبهم من اجل إنقاذ صندوق تقاعدهم الذي عجز عن صرف معاشات أكثر من 5000 متقاعد برلماني بأثر رجعي منذ خمسين سنة ،ناهيك عن معاشات الوزراء وأمثالهم على حساب جيوب الشعب ولو بفرض زيادات جديدة في أسعار الخبز والسكر وغاز البوطان وغيره من الضروريات الخاصة على كل حامل لبطاقة التعريف الوطنية ، والله من الهم ما يضحك ومن الضحك ما يبكي وان كنا غير قادرين على الضحك والبكاء .فهل يفهم الناخب انه قد جني على نفسه ولم يجن عليه احد ام ليس بعد