عزالدين قدوري :

 كما قلت في مقالات سابقة دفاعا عن اللغة العربية ، إن الحرب على لساننا الفصيح ( اللغة العربية ) ليست وليدة اليوم وإنما تعود لفترة الاحتلال الغربي للعالم العربي والإسلامي حيث قام المستشرقون و تلاميذهم بشن حملاتهم المسعورة على اللغة العربية الفصحى متهمين إياها بالقصور وعدم قدرتها على مسايرة العصر و الانتقاص من مكانتها ومكانة مدرسيها.

ولا زالت تلك الحملة التي كان التاريخ كفيلا بفضحها اليوم مستمرة في مسارها الشيطاني الهادف لضرب الإسلام من خلال اللغة العربية باعتبارها رمز الهوية والوحدة الإسلامية وهي لغة القرآن الكريم الذي تنبثق منه علوم الدنيا والدين.

من هنا كانت خطتهم هده المرة و رغم الخطابات الرسمية الداعية إلى النهوض بالشأن الثقافي والتعليمي هي العمل على فصل التلاميذ و الطلبة عن ماضيهم التاريخي الإسلامي المجيد المرتبط باللغة العربية من خلال الدعوة إلى التدريس باللغات الأجنبية و إدماج اللهجة العامية في المقررات الدراسية كخطوة أولى لإزاحة اللغة العربية عن عرشها وتحطيم المعارف المرتبطة بها .
وقد كشفت دراسات ضعف مستوى اللغة العربية عند تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات نتيجة لسياسات التعليم في السنوات الأخيرة والتي أخذت تولي اهتماما مضاعفا للغات الأجنبية على حساب اللغة العربية. فكان نتاجا للاعتماد على لغة الآخر ، أن تولد لدى أصحاب اللغة عقدة النقص والشعور بالانهزام النفسي ، وعدم الثقة باللغة الأم و اعتبارها عاجزة عن الوفاء بالمتطلبات الأساسية للحياة ، وغير قادرة على مواكبة التطورات الحاصلة في العالم من حولها. وهو ما يرمي إليه المتربصون باللغة العربية و بالإسلام .

إن هده الحرب على اللغة العربية ، و جل الظروف السياسية و الإيديولوجية المحيطة بنا والتي تسعى للحد من انتشار اللغة العربية ليست مصادفة وإنما هي نتاج مخطط مسبق يستهدف حضارتنا ولغتنا وديننا وتراثنا ، والحرب ضد اللغة أخطر بكثير من الحرب السياسية أو العسكرية لأنها حرب ضد الهوية و الخطر الكبير هو أن يتم تجنيد بيادق من أبناء امتنا النكرات ممن لا يفقهون شيئا في اللغة العربية و لا يمتلكون حس الغيرة على وطنهم وهويتهم. و رغم كل ذلك نجدهم يتربعون على مناصب لتدبير الشأن اللغوي والثقافي . و إذا استمر هذا الخطر الذي يهدد هويتنا في تفشيه فان لغتنا العربية معرضة للاندثار لا محالة ، وبالتالي سنفقد وزننا التاريخي والثقافي والحضاري الذي بقي لنا من نخوتنا العربية أمام الأمم .
و للخروج من ذلك المأزق وذلك الإشكال يجب اتخاذ قرارات حازمة من خلال تنظيف مراكز المسؤولية و التدبير و تعيين كوادر جديرة بمهامها، ملمة باللغة العربية وعلومها، و إنشاء مجمعات للسهر و الحفاظ عليها وجعلها مواكبة لمتطلبات العلوم والآداب والفنون… وملائمة لمدركات الحياة الإنسانية المتجددة.
ولأن اللغة تمثل قوة الأمة و مرآة سياستها وتاريخها وثقافتها … فقد بات لزاما على الجهات المختصة حمايتها من التشويه والاستهداف ومحاولات إزاحتها عن عرشها . و العمل على النهوض بها من خلال بعث و إحياء التراث العربي والإسلامي والعمل على توثيقه و دمجه بقوة في المقررات الدراسية ، وتشجيع التأليف والتعريب والترجمة والنشر كما كان الأمر في عصر النهضة والازدهار الإسلامي الذي أنتج علماء ومفكرين وأدباء … انبثقت معارفهم من رحم اللغة العربية الفصحى التي كانت مواكبة لهم وترجمت أعمالهم فأصبحت من أمهات الكتب ولا زالت إلى يومنا هذا تحظى لدى الغرب بعناية خاصة .
فلنتكاثف دفاعا عن لغتنا العربية، لغة القرآن المنزل، لأنه متى فقدناها فقدنا هويتنا .