تاوريرت بريس :

SAM_0409

 

 

  بالصدفة وجدتني أقف بباب إحدى الملحقات الإدارية بمدينة تاوريرت حيث وجدتها شبه خالية إلا من موظفين قد لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة ،منكبين في مكاتبهم على وجوههم وكأنهم في حاجة إلى من يؤنس وحدتهم  ،وقد كانوا يتطلعون إلي كغيري لعلني كنت احمل إليهم ما يحرك ساكنهم أو ما يجعلهم يحركون من اجله أقلامهم ،لاشك في أن ساعتهم كانت تمر في يوم ويومهم في شهر وليس ثم ما يملأ فراغهم . تمنيت أن لا أكون قد خيبت أمالهم حينما كنت اكتفي بالسلام عليهم، والوقوف هنيهات بمكاتبهم لأرى كيف يتعامل هؤلاء مع المواطنين الذين قلما كان احدهم ينتظر أكثر من دقائق معدودة فيصرف لحال سبيله  ، دون أن يقف في طابور الانتظار رغم قلة  هؤلاء الموظفين  فأنهم كانوا يبذلون ما بإمكانهم من اجل إرضاء المواطنين .  

          شيء يثلج الصدر حقا ،مهما كانت هذه الملحقة الإدارية حديثة العهد وهي تتواجد في حي بأقصى غرب المدينة، إلا أن ذلك لم يكن ليمنع التوافد عليها من طرف الساكنة التابعين لنفوذها ، من اجل قضاء مآربهم الإدارية بأقصى ما يمكن من السرعة وفي أحسن الظروف ،وما أعجبني في الأمر حال مكتب متواضع لقائد ورئيس متواضع جدا ،لم يكن يرقى بحاله إلى مستوى مكاتب الموظفين ،من حيث تجهيزاته كمكتب أي قائد أو رئيس أو مسئول في إدارة جديدة يفترض فيه أن يكون مؤثثا، منمقا، مجهزا بما يلزمه من كراسي دوارة، وجهاز حاسوب ،وهاتف نقال وقار، وجرس رنان  ، ورزم من ملفات تنتظر التوقيع  وشاويش يقف وراء باب يتدافع حوله المواطنون  و ، و، و …. لخ غير أن هذا المكتب في قلب الإدارة لم يكن يتوفر سوى على بعض الكراسي العادية تتوسطه مائدة مستديرة ، مخصصة لاستقبال الوافدين . وعلى ركن منها قلم جاف وبعض الأوراق البيضاء  .

         والذي استرعى انتباهي أكثر، واضطرني إلى كتابة هذه السطور، اتخاذ هذا المسئول مكتبه الرسمي متنقلا على متن سيارته  التي تعج  بملفات تتكدس على مقاعدها الأمامية والخلفية ، وهي تتضمن قضايا المواطنين التي يتم في الميدان معالجتها. قد يبدو هذا المسئول في نظري وأتمنى أن لا أكون قد تسرعت في تصنيفه كنموذج يجب أن يحتذى به في الوقت الراهن . الذي يجسد بحق المفهوم الجديد لسلطة القرب وتصديه بكل حزم للنهج البيروقراطي البائد رغم أن أسلوبه في التعامل مع بعض الملفات ذات الصلة بمصالح بعض أباطرة العقار ربما قد يجلب إليه نوعا من المتاعب التي تجعله في وضع غير مريح إلى حين  .

          وبلا مجاملة ولا محاباة ، ولكن من باب الإنصاف وجب علينا إكباره وتقديره ، ونتمنى أن نصادف في هذا الإقليم أشباهه وهذا مما لاشك فيه من الرجال المتشبعين بالروح الوطنية من اجل رفع التحدي والصمود من اجل التغيير ، حتى نوفي لهم حقهم من الإطراء الذي لا يمنع من انتقادنا إياهم  انتقادا بناءا إذا تطلب الأمر ذلك ورأينا منهم  تقصيرا في أدائهم الذي قد تعترضه أحيانا بعض الاكراهات الملحوظة التي توقف العربة أمام الحصان برغم ذلك قد نلتمس لهم كل المبررات والأعذار  بدلا من الغلو في الانتقاد اللاذع  . علما أن ذلك قلما يؤثر سلبا على أداء رجال حسنت نواياهم وامنوا بصدق رسالتهم  ، أو ينال من عزمهم على المفيد بقدر ما يزيدهم تشجيعا وإقداما ومثابرة في عملهم ، ولا يثنيهم أبدا عن معالجة الأعطاب وإصلاح الأخطاء ، ويحفزهم على مزيد من العطاء.

           وما كنا نريد بهذا سوى إبراز دورنا كصحافة بناءة تؤمن برسالتها ، ليس من شانها أن تتوقف عند حدود النقد والانتقاد ، وتختص في كشف العيوب والسرائر فقط ، وإنما لنسلط الأضواء أيضا على الجوانب الظليلة ، حيث تستظل الحقائق وتتوارى المحاسن ويشتغل الرجال في الخفاء ، ومن ثم يكون من واجبنا ذكر كل شخص بمناقبه ومكاسبه ومكتسباته ، مع ذلك يبقى التاريخ شاهدا على عمله ينقش أثاره على ذاكرة هذه المدينة بنقوش تبقى ماثلة للعيان لا تنال منها عناصر الأزمان .

           مهما كانت الصحافة تمثل السلطة الرابعة في المجتمع ، فهي في نفس الوقت تشكل العين الثالثة للسلطات الثلاث ، وسبيلنا إلى استعمال هذه السلطة يجعلنا كمرآة عاكسة للصور الواضحة وكشفها عن  الشوائب العالقة بياقات رجال ونساء أنيقين وأنيقات ، هم ليسوا في غنى عنها من اجل الحرص على نقاء أناقتهم ، والمحافظة على صفاء ياقاتهم .  ليس منا ولا منهم منزها عن النقائص ، أو معصوما من الأخطاء ، ولا ينبغي الكمال لغير الله وهو الذي يوفي لكل ذي حق حقه  .