بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

 

بشرى للشباب المغربي ذوي المواهب العلمية ،في الداخل كما في الخارج بخبر اعتزام وزارة الداخلية في الحكومة الفرنسية ، على إصدار قرار يقضي باستيراد ها للمواهب العلمية من المغرب ، وإعطائها كل الإمكانيات المتاحة من حق الإقامة إلى ضمان الشغل ، ومن ثم حق التجنيس ولم لا . فان كان للجيلين  الثاني والثالث من أبناء جاليتنا المقيمة في فرنسا حض الأسد في هذه العملية ، فقد أصبح لأمثالهم  المقيمين في المغرب نفس الحضوض في الإلحاق ، مما يتطلب من الشباب المعطل والضائع في هذا البلد إلا أن يكونوا  عصاميين ليحضو بمستوى الطلب ، فيبدءون من الآن إن لم يكن قد فاتهم الزمان ، بالعمل على صقل مواهبهم ، وتنمية معارفهم العلمية ، وعسى أن تضمن لهم العيش الكريم خارج وطنهم ولو حتى حين .

     وما دامت حكومات بلدنا على مدى العقود الماضية عاجزة والى الأبد ، ولم  تهتدي يوما إلى تفكير صائب من اجل استيعاب طاقاتها الشابة ، واستغلال أدمغتها الطرية ، وتعمل على إعدادها من اجل بناء صرح هذا الوطن وما أحوجه ، ولا كان  يهمها على مدى عشرات السنين الماضية والآتية ، إلا أن تعصر ضرع بقرتها وان كان يقطر دما ولا يجود بحليب ، ودون أن تهيئ لها المراعي الخصبة والموارد العذبة . فتمتص عناصر أبنائها دون أن توفر  لهم موارد العيش الكريم ، ولا تريد من وراء إجلائهم  سوى استيراد العملة الصعبة بأشكالها وألوانها بخبثها ونقائها،  وقد حق عليها القول لتلقي الأجيال بسجلات تاريخها  إلى مطارح الأزبال

   فإذا كانت فرنسا اليوم ، وألمانيا بالأمس ، والباقية تأتي في عز الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ،تسعى إلى سلك مسلك استيرادها  للأدمغة المغربية خاصة والعربية عامة ليس كعملة صعبة وإنما كعملة نادرة ، لما ترى في ذلك من حلول ايجابية وبديلة وناجعة ، قد تحد إلى حد ما من اثر أزمتها الخانقة ، وتخفف من حدة وطأتها الضيقة ، في وقت تجد حكومتنا ” الحكيمة ” وترى في إجلائها لهذه الطاقات ، وإبعادها لهذه الأدمغة والمواهب ، التي تثقل كاهلها وتنغص عيشها ، وتقض مضاجعها بوقفاتها الاحتجاجية اليومية ، أنجع الحلول لكل أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك تكون مصائب قوم عند قوم فوائد .

   ترى بعد هذا وذاك فمن سيقوم برفع هذا التحدي عن كاهل وطننا ، ومن ذا الذي سيحرز الكفاءة والقدرة على حمل الأمانة ، ويعطي البرهان على حسن تدبيره للشأن العام في بلدنا وكسبه ثقة مواطنيه المسحوبة ، إذا كانت حكومتنا الحالية كسابقاتها لا تعي ثقل المسئولية الملقاة على عاتقها ، وإذا كان شبابنا اليوم كغيره منذ عشرات السنين لم يقتنع بضرورة القيام بواجبه من اجل التغيير ، فيتخلى عن هذا الحلم الذي يراوده أبا عن جد ولا يرى تحقيقه إلا بعد الشاطئ الأخر ، فإلى متى سيبقى المهربون لمنتوج هذا الوطن وثرواته  يتصرفون في استعمال المسكنات السياسية للأوجاع ، والمهدئات الذكية للأعصاب ، وصناعة القوارب المطاطية للإبحار. وعسى أن يخلى لهم الجو في هذا البلد ذو الطبقات المتعددة ، الذي يعيش فيه النبلاء والأسياد على حساب الخدم والعبيد ، فإلى متى سيبقى ضيعة لورثة الأسياد ومحمية لأبناء النبلاء ، ولأفراد اسر معينة تمتلك السلطان من اجل اختراق سقف الطبقات لتتربع على كراسي المعالي .

    منذ أكثر من خمسة عقود خلت ، كانت حكوماتنا ومازالت تسوق سواعد بناة وطنها في الأسواق الأوروبية،  في شكل حفارات ونقالات وجرا فات أدمية مؤجرة ، تصدرها إلى دول الغرب التي أقامت صروحها ووسعت شبكات مرافقها وبنيتها التحتية ، بسواعد أبنائنا مقابل لقيمات لعينة . ما لم تكن حكوماتنا الموقرة آنذاك تعفي حامل ذلك الدفتر الأخضر الذي يسمونه جواز المرور، حتى من تبعات تكاليفه ، وبالأحرى أن توفر له زاد السفر ، كما فعلت من قبل حينما كانت تكدسه في حاويات وتبعث به إلى جبال فرنسا والهند الصينية حاسر الرأس حافي القدم ، من اجل تحرير هذه البلدان بدمه  وروحه وعلى حساب الم  أبنائه وأوجاع آبائه ، مقابل شيء ما يدعونه الواجب .

    وها هو اليوم كالأمس وقد أصبح الوضع لا يختلف ، بقدر ما بات يفرض من جديد على شبابنا ذوي الطاقات العلمية ، أن يصدروا إلى الغرب كالسمك في علب قصديرية وكالبواكير والحوامض في علب بلاستيكية أو كرطونية ، ولكن هذه المرة من اجل تنمية اقتصاده والعمل على إخراجه من أزمته . اجل لأنها حكومات ولا حكومة لنا، ودول ولا دولة لنا، ومدبرون عندهم ومبذرين عندنا، لقد أعطينا للغرب ما يكفي من دماء أجدادنا وأرواحهم ، من اجل تحرير أراضيه . كما أعطيناه ما زاد على ذلك من عرق إبائنا وزهرة شبابهم ، من اجل بناء دولته . وهانحن اليوم نعطيه كل ما نملك من طاقات أبنائنا  وأدمغتهم ، من اجل تنمية اقتصاده . بذلك وبكله من اجل أن تحافظ حكومتنا على كراسيها ومقامها على هرم السلطة ، وتامين مستقبل أبنائها . ولا مستقبل لأبنائنا  سوى حق الحصول على الرغيف اللعين .

     ولكن وبعد كل هذا الحبر الضائع ، والصدى الذي مزق المسامع ، يبقى السؤال فيما إذا كان هناك شباب يحمل المواهب العلمية ويعي ما يراد منه ، وهناك طاقات إبداعية وفكرية تستوعب الخبر وما يقصد به  ، وما يطلب منها حتى يمكنها أن تسوق نفسها بنفسها إذا كان لابد ولو حتى حين ؟