بقلم : الخضير قدوري 

 

قد يتملكني نوع من الاشمئزاز من الوصلات الاشهارية التي تبثها هذه اللجنة على المنابر الإعلامية ،وهي تعزي كل أسباب الحوادث الى الإفراط في السرعة ومسئولية السائق في عدم احترامه لقانون مدونة السير المستوردة ، التي يعمد منزلوها الى تكثيف جهود رجال الشرطة والدرك مدعمين بالآلات والرادارات الثابتة والمتنقلة وحثهم على تشديد العقوبات والرفع من الغرامات الى سحب الرخص وغير ذلك ، وقد أثقلوا رفوف المحكمة ،واتخموا الخزينة ،واضعفوا القدرة الشرائية للمواطن ،ثم ضيقوا على الأسر فسح العيش ،رغم ذلك مازالت الحوادث تسجل بالعشرات يوميا على الطرقات ،والجرحى يردون بالآلاف على المستعجلات ،والجثث تتكدس بالمئات في مستودعات الأموات. فلم تجد هذه الوسائل نفعا ، عندئذ يتساءل المتسائلون عن مواقع الخلل كمن لا يعلمون وهم يعلمون ولكنهم يتجاهلون الأسباب ويتغاضون عن المسببات ، وكمن لا يهمهم سوى ملء الخزائن وليس حياة المواطن

ويحسبون ان هذا المواطن لا يعلم ما يسرون وما لا يعلنون ،ولا يدرك ان الأمر ليس فيما يذكرون . وكمن لا يرى الخلل البين في مصدر الأوامر ولدى مشرع القوانين ،وعلى عرش هذا المصدر تتربع وزارة التجهيز بالأساس ربما بخلاف نظيرتها في دولة السويد او سويسرا ان كانت مكلفة بتسليم تراخيص بفتح مدارس تعليم السياقة ثم تركها الى إهمال دون رقابة ولا محاسبة لتتبنى هي الأخرى نظاما للسير على الطريقة الانجليزية بمحاذاة اليسار كما نلاحظ على طرقاتنا ، ما يضطر إلى التجاوز على اليمين. ليبقى هذا التصرف أول مسبب لأكثر حوادث السير وأشدها خطورة ، الذي يصطلح عليه في محاضر الدرك والشرطة بالتجاوز المعيب، ليلقى باللائمة على السائقين، وإبقاء أداء الثمن على شركات التامين ،والحكم بتبرئة ذمة الآخرين .
هذه الوزارة التي تتساهل في امتحان الحصول على رخص القتل والتقتيل بالمئات و الآلاف ، وفي ظرف وجيز وأحيانا في الغياب وبمقابل وبعدها الطوفان ،فليموت البعير وتخفق الشاة قد لا يهم ذلك الرعاة ،ومن ثم تقصيرها في واجبها بإصلاح الطرق ووضع لوحات التشوير العشوائي والمعيب ،وعدم مراقبتها من طرف تقنيين وخبراء ومختصين في جغرافية الطرق والمسالك

واذا ما تم ذلك حينئذ ينبغي لذات الوزارة تعزيز الطرقات بدوريات متنقلة من رجال شرطة ودرك ومراقبة متعقبة برا وجوا ، لضبط المخالفين المتسببين في حوادث السير ،التي مازال لهذه الوزارة فيها الحظ الوفير. فهي لم تضف أي إصلاح على هذه الجوانب الأساسية ،التي تعتبر السبب والمسبب في الحوادث القاتلة ،فان كانت مدونة السير قد استوردت من دولة راقية سهر على تدوينها خبراء في المجال وقد أتت أكلها ، حيث لم تسجل في بلدها حوادث بالحجم والكم الذي قد يتسبب فيه تنزيل هذه المدونة في بلدنا ، ذلك لخلل ما في تنزيلها على أرض ربما لا تشبه أرضنا ، ومن طرف مفكرين ليسوا في مستوى مفكرينا ، او لترجمة او فهم غير صحيح ، ففي كل الحالات تكون وزارة التجهيز المسئولة على تصحيح هذا الخلل وفق المفهوم الاجتماعي لقانون السير في بلدنا ، فان تعذر عليها الأمر وجب عليها إلغاء هذه المدونة وإرجاعها الى مدونيها الأصليين ،ولعل الله يكفينا شر المعلبات المستوردة التي لا تتوافق مع طبيعتنا الجغرافية ،ولا تتماشى مع عقليتنا المغربية او تتناسب مع مقاساتنا الاجتماعية. حتى وان كنا غير مؤهلين لاستيعابها او مستعدين لتقبلها فلا يكلف الله نفسا إلا وسعاها
قبل هذا وذاك كان على وزارة التجهيز ان تستوعب قبل غيرها مضامين مدونتها المستوردة ،ان كانت تتلاءم مع إمكانياتها المادية والمعنوية ومواردها البشرية وتتلاءم
مع أحوال طرقها وثقافة مجتمعها قبل مطالبة مواطنيها بالتكيف مع بنودها وأحكامها ، أما إذا كانت ترى مستوى فهمها يرقى بها فوق مستوى فهم كل المغاربة ربما يكون رقيها الى أعلى مستوى انحطاط يفرض عليها معاودة القراءة لمدونتها وإعادة النظر في سياستها من اجل تشديد رقابتها على مدارس تعليم السياقة وفق بنود المدونة ومن اجل تشديد امتحان الحصول على رخص السياقة هذا من الأهمية بمكان ، وتسليمها مؤقتا لمدد تجريبية حيث يمكن بعدها التسليم رسميا او يتم إلغاؤها وإلزام صاحبها بمعاودة التعلم والامتحان ،ومن ثم يجب إعادة النظر في أحوال الطرق ووضع الإشارات المرورية في مواضعها المدروسة ،بعد ذلك يمكن للوزارة تنزيل أحكام نسخة المدونة معززة بفرق رجال الشرطة والدرك والوحدات المتنقلة برا وجوا وبالكاميرات والرادارات لتحديد المسئولية الى جانب السائق او العربة إذاك سنلامس روح المدونة وسنلاحظ انخفاض عدد حوادث السير والموتى والجرحى وحتى عدد المخالفات ونسبة الغرامات اللهم إن كان هذا لا يخدم مصالح بعض الجهات ويتنافى مع قولهم مصائب قوم عند قوم فوائد على اي لابد من القول بان كل إصلاح ممكن ما لم يتعارض مع مصالح من يستحمون بدموع اليتامى والأرامل ويتغذون من دماء الضحايا ويدعون انهم يصلحون في الأرض وهم يفسدون