بقلم الخضير قدوري:

الخضير قدوري

 

هل كان خطاب صاحب الجلالة من خارج المملكة سببا في عرقلة تشكيل حكومة بنكيران الرئيس المعفي من طرف جلالته؟ وهل يكون فشله في تشكيل الحكومة منذ أكثر من خمسة أشهر ناجما عن عدم وجود رجال بين مناضلي حزبه ومناضلي الأحزاب الأخرى في مستوى مضمون الخطاب ؟ ووفق شروط الكفاءة والقدرة والفكر والثقافة التي تفتقر إليها فعاليات هذه الأحزاب ؟ أم كانت وما زالت هذه الأخيرة مجرد هياكل بالية تتمسك بأهداب التاريخ القديم ،وتريد ان تشده الى عصور ماضية رغم كونها قد أصبحت واهنة وتبين خلوها من روح النزاهة والمصداقية ،وأشكال خالية من المضامين السياسية والديمقراطية التي تتوافق مع المقاسات الوطنية ،و تتجاوب مع المطالب الاجتماعية ،لاشك في ان خطاب جلالة الملك قد كشف عن حقائق أحزابنا الوطنية التي ضلت منذ عقود تنطوي على نفسها كهرر مريضة ،متقوقعة داخل محيطها العائلي الذي يمنعها من الانفتاح على أهل العلم والمعرفة والثقافة والفكر ،الذين يمكن ان يبثوا فيها روحا جديدة وطاقة متجددة ،فاذا بحالهم لا يختلف في شرعها عن حال آليات قد تهدد استمرارية الزعامة في وسط هذه الهياكل العظمية البالية ،التي تأبى إلا أن تتحدى الزمان في مجارات الحياة بكل الأعمار مع كل الأجيال ،ولا تؤمن بضرورة التحديث و التجديد ومواكبة التطور الحضاري ومسايرة العولمة
فإذا كان تعيين العثماني كرئيس بديل، وقد استطاع في ظرف قياسي بخلاف سابقه الحصول على تشكيلة كشكولية لحكومة مدعمة بفعاليات تكنقراطية لدليل على ان أحزابنا لم تعد بالأحزاب الوطنية التي تعمل على خدمة الوطن ،ودعمه بفعاليات سياسية قادرة على تمثيله وبأطر ثقافية وفكرية كفأه تشرف المغرب في كل المحافل الدولية ، رغم ذلك قد يبدو ضعف هذه التشكيلة في سرعة اختيار أعضائها ، وهي قلما سترقى الى مستوى طموحات صاحب الجلالة ،وقلما ستحظى عند حسن ظن الشعب المغربي الذي اكتشف سوء اختياره الذي جعله يفقد ثقته في هذه الأحزاب التي تدعي تمثيله ، فان كانت هذه الحكومة المنبثقة من الأغلبية الحزبية عاجزة على تحقيق ذلك فان التعجيل بإسقاطها وارد لا محالة ،اللهم إلا إذا جاء إنقاذها للاحتفاظ بها كشكل في الواجهة الى حين حينها والى حين إعداد رجال في مستوى المسئولية الوطنية والاجتماعية والسياسية والثقافية ،الذين سيمكنون هذا البلد من مكانته اللائقة بين دول العالم الديمقراطي المتطور
فان كان أمر ما نرى يدل على شيء إنما يدل على أن دور أحزابنا قد انتهى ،وأصبح التنقيب على الفعاليات الفكرية والثقافية والسياسية المغيبة والمهمشة من طرف هذه الأحزاب من اوجب واجبات صاحب الجلالة الراعي الأمين لهذا الوطن ،والساهر الحكيم على تدبير شؤون هذه الأمة واستقرار هذا البلد ،والحارس الذي لا ينام او يغفل عن حماية حدوده ووحدة ترابه ومن لا يتوانى في خدمة هذا الشعب الذي أصبح أكثر من أي وقت مضى يده التي يعمل بها وقدمه التي يمشي عليها وهو الأمل الوحيد والأوحد الذي لا غنى عنه ،وقد ان الأوان ليكن شعار ديمقراطيتنا ، ملك شعب ،وشعب ملك ،ومغرب مغاربة، ومغاربة مغرب ولا مكان فيه لمن يمثلهم او ينوب عنهم او من يتكلم باسمهم . قد آن الأوان لتنزيل فحوى شعارنا الخالد ،الله الوطن الملك ، وكفانا من التجارب الحزبية الواهية التي أخذت من أعمارنا سنينا طويلة ، ومحاولة الإصلاحات الفاشلة التي فوتت علينا فرصا ثمينة ، وكفانا من مضيعة الوقت في الخطابات السياسية الجوفاء، والتجمهر حول طوائف الخطباء السياسيين …لم يعد انفتاحنا على الشمال والجنوب والغرب والشرق يسمح لنا بالتنظير الذي لا يفيدنا او يغنينا عن التدبير والعمل المستمر، كفانا من الاجتماعات من اجل ملء حفرة في وسط الطريق ، ومضيعة الوقت من اجل إشعال مصباح في نهاية الشارع ، كفانا من مضيعة الوقت في استنفار كل الطاقات من اجل إصلاح تماس كهربائي، او عطل في شبكة الماء الصالح للشرب ،كفانا كفانا فنحن والزمان في تسابق مع الأحداث ،وفي حاجة الى مسئولين يواكبون التطور ويمشون في الأرض وينظرون في عواقب الأمور فيصلحون المفاسد من حيث هي مفاسد ،قد لا تغيب على العيون ولا تستدعي الشهود ولا تتطلب دعوة الى اجتماعات من اجل اتخاذ قرارات هذه هي الحكومة التي يريدها صاحب الجلالة وهو المثل الأعلى ،ويريدها الشعب ليرضى .ان لهذا الملك قصورا غير متشابهة فيها من وسائل الحياة اليومية ما يمنعه من الخروج منها الى أجواء ملوثة وبيئة وسخة ،ولكنه أبى إلا أن يفعل فيمشي على الأوحال بأقدام حافية، وتحت رذاذ دون مضلة ولا طاقية ،وكذلك شاء ان يغرق في البرك والمستنقعات ليعانق شعبه الذي يبادله الحب بحب والإخلاص بوفاء ،كذلك نريد المسئولين المتدافعين على الحقائب والمتصارعين من اجل المناصب ، ويتنافسون في تجهيز المكاتب بالمكيفات والأرائك والسيارات المطرزة ثم يتركون للشعب إلها في السماء ،وملكا على الأرض ، ووطنا يعيثون فيه فسادا