بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

استجابة لمطلب احد المثقفين، يتعلق بالبحث عن زملائه المختفين في أسواق المهرجين ، بمدينة تاوريرت التائهين في دروب المتاهات، والضائعين في زمن اللامبالاة ، بانغماسهم في اللهو وانشغالهم بالتفاهات يريد بالقصد تلك الضمائر الاجتماعية المستترة في زوايا النسيان ،والمنفصلة عن بعضها عندما عز ضمها بالا حظان ، وقد سمحوا للمتمسحين بمسوحهم والمتشبهين بالصول والجولان ،في الدروب والأماكن الخالية ومنحوهم الصولة والصولجان، في كل المحافل الاجتماعية والسياسية ،متحللين بالحلل والحلل البالية ،يضربون في كل المضارب الثقافية ،ويذهبون في كل المذاهب العلمية ، ليخوضوا في كل الملتقيات بما جد لديهم من المهازل والسخرية .
وقد غاب المثقفون تراهم لأي مذهب ذهبوا، ورحلوا تراهم بأي واد نزلوا ، هيهات بعد الغياب حضور، وبعد الرحيل أواب . ترى هل من دليل يدل على أثرهم ، ومن مرشد يرشد الى سبيل مضيهم ،وهاد يهدي الى مكان تواجدهم ،ام تراهم قد ضاعوا كما يضيع الصدى بين أعماق الوديان وقمم الجبال ، وكما يتيه الظل وراء غمزات الشمس بين الأدغال وضيق اليأس فسحة الأمل
واختفى المثقفون عن الأنظار، وغابوا عن الأبصار، حتى لم يعد لهم في هذه المدينة ذكر ولا اثر، وكأني بهم قد غادروا المكان وتركوا الأوكار ، ثم أخلو الجو منهم لهؤلاء المتشبهين ،وسكن الليل من همساتهم في أذان النائمين ، وهدأ الروع من كوابيسهم التي تقض مضاجع الجشعين. تراهم قد وضعوا أقلامهم وتخلو عن أسلحتهم، وولوا الأدبار كالمنهزمين.كلا ايها المثقفون ليس بعد الموت موت ،ولكنكم تحيون حين تموتون. فهل كنتم من الموت خائفين ، فاخرجوا من مخابئكم الى ساحة الوغى واطلبوه لتزف لكم الحياة كالعروس في أبهى حلل تسر الناظرين
إن مات المثقفون في هذا البلد ودفنوا ،ترى فأين قبورهم والمدافن. وان اعتقلوا وسجنوا، فأين المعتقلات والمساجن .وان نوموا ففي أي كهف بعد كهف أهل الكهف يغطون، تراهم متى سيحين حين من الدهر فيستيقظون ليجدوا الدهر قد أكل وشرب على عملتهم وما يملكون ،ام تراهم انقرضوا عن بكرة أبيهم فهم الى أهلهم لا يرجعون ،وماتوا عن أخرهم فهم من قبورهم لا ينسلون .لقد غاب عن هذه المدينة المثقفون ،إما لموت وراهم وراء أطباق الثرى الى يوم يبعثون ،او لدهر طواهم وختم على ألسنتهم فهم لا ينطقون ،وطمس على أعينهم فهم لا ينظرون ، وعلى قلوبهم فهم لا يبصرون ، وإما لنوم عميق سيلحقهم بالأولين حتى يردفهم الآخرون .
اختفى المثقفون في المدينة ، فسلام عليهم يوم غابوا وأينما ذهبوا، وسلام عليهم يوم رحلوا وأينما نزلوا ، وان ماتوا وانقرضوا فسلام عليهم يوم ولدوا ويوم ماتوا وأينما دفنوا كالغرباء .