بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

       

في إطار التعليمات السامية  لصاحب الجلالة حفظه الله من اجل ترسيخ سياسة القرب ستعمل السلطات الإقليمية على ربط صلة التواصل مع فعاليات المجتمع المدني والعمل على إشراكها في الرأي والمشورة حول كل ما يتعلق بالتدبيرالسليم للشأن المحلي مع اخذ كل  مقترحاتها بعين الاعتبار .

      في هذا الصدد لاشك في أن معنى المفهوم الخاطئ لسياسة القرب سيتغير وسيفرز للمجتمع طاقات فكرية وعلمية وثقافية تعطي للسياسة معناها الحقيقي  من اجل تعزيز الديمقراطية في هذا البلد الذي يحض بالوضع المتقدم لدى بلدان الاتحاد الأوروبي  ويحتل مكانته اللائقة  على لائحة الدول النامية .

    مما يجعل الضرورة تقتضي الإصلاح  الحقيقي والتغيير الجذري في كل المجالات الإدارية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية ويبقى التركيز على المجال الثقافي من الأساسيات ذات الأولويات وبدونه سيبقى كل إصلاح فاسد وأي  تغيير لم يرد .

     لو تأملنا أسباب التعثر الذي يعطل النمو على كل المستويات سنجد من أسبابه هذا المغيب الثقافي والمهمش الفكري والرافض المجتمعي والمتذمر الاقتصادي من جل مشاريع القوانين والقرارات والمراسيم التي تنجز خلف الأبواب المغلقة دون إشراك طاقاته الاجتماعية الفاعلة ذات الصلة التي ولاشك هي أدرى من غيرها بمدى إمكانية تقبل أو رفض المجتمع لهذه القرارات وقدرته على  التكيف مع تلك القوانين في إطار المفهوم الصحيح لسياسة القرب التي يوصي بها صاحب الجلالة ويمارسها بنفسه على ارض الواقع كرسالة واضحة للمقتدين .

     منذ سنين عديدة وجهاز الأمن قائم على قدم وساق في هذا البلد وقد وضعت بين يديه كل الوسائل والأدوات التي يجب أن يستعملها من اجل العمل على استتباب الأمن في هذا الوطن إلا أن الخوف والرعب وتفشي الجريمة بإشكالها وألوانها وحال عدم الاستقرار بات يهدد المواطنين في أموالهم وممتلكاتهم وأولادهم مما جعل الانفلات الأمني قاب قوسين وأدنى لو لم يتدارك صاحب الجلالة الموقف بإصدار أمره المطاع إلى السلطات المعنية بضرورة القيام بواجبها المنيط بها وتفعيل آلياتها بالصرامة التي تعيد للدولة هيبتها وتخفف الحمل على القضاء بنسبة تتجاوز الخمسين بالمائة وبذلك سيوضع الحد لهذه الفوضى والتسيب ويبقى على القضاء إتمام الباقية .

      فان كان قد مر على إحداث مدونة الأسرة سنين عديدة مازالت هذه المدونة تتعثر وتخلف لها أثارا سلبية قلما تصيب الهدف الذي من اجله  أحدثت إلا أن الملاحظ على ارض الواقع عزوف شبه عام عن الزواج  ارتفاع  مهول في نسبة تعاطي الفساد  تكدس مستمر لملفات الطلاق والتطليق والعنف والتعنيف  تشرد متزايد للأسر إلى أن بقي الهدف الحقيقي الذي من اجله أحدثت مدونة الأسرة مجرد حبر على ورق بعد أن تدخلت بعض المفاهيم الخاطئة الأخرى على الخط مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل ثم فتح الباب في وجه الخلايا والجمعيات النشيطة في هذه المجالات وبتدخل كل هذه العناصر أفرغت المدونة من محتواها   إن لم يكن لأثرها السلبي عواقب متجذرة في أعماق المجتمع قد لا يمكن استئصالها أو إصلاحها بعد عشرات السنين ولا بأي حال إخفاء مساوئ المدونة التي عطلت دور المدرسة في التربية ودور الآباء في التنشئة ما جعل هذه المدونة تساهم بشكل أو بأخر في تنامي هذه الظاهرة التي تنتظر هي الأخرى  التفاتة ملكية عاجلة من اجل إعادة النظر في كثير من بنودها وجعلها خاضعة لمفهومها الصحيح  . 

     وعلى غرارها تفتقت مواهب المبدعين السياسيين على الإتيان بأنواع من المدونات والقوانين والمراسيم والقرارات المفروضة عاطفيا وهي مرفوضة اجتماعيا عندما لا يتقبل أو يحتمل المجتمع المغربي بعضها أو جلها  إذا لم يكن يرفضها كلها وقد اظهر عدم قدرته إلى حد ما على التكيف معها في إطار المفاهيم الخاطئة للديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان والطفل والمرأة   وسياسة القرب التي نحن بصدد الحديث عنها والتي  لا يحس بإحساسها وبحرارتها  إلا من اكتوى بنارها  .   

      لا شك أن الضرورة أصبحت تقتضي إنشاء مجالس اجتماعية موازية للمجالس المنتخبة الفاشلة لتحتوي كل فعاليات المجتمع المدني الثقافية والاقتصادية والسياسية والحقوقية يناط بها السهر على مناقشة الشأن المحلي  في كل المجالات التي لا مكان فيها للجهل والأمية في أفق العولمة وخواتم المعرفة وبالتالي انه لا يمكن بأي حال لعاهل البلاد أن يربط  كل أزرار الدولة بأصابعه وهي لا تتحرك إلا بحركة  يديه ورجليه