بقلم: عبدالحق الريكي

 عبدالحق الريكي

 

هذا مُجرد رأي مواطن مغربي، يُحاول المساهمة قدر المستطاع في النقاش الحالي حول الفِتْنَة، كوب 22 والمطالب المشروعة للشعب والشباب والشابات… رأيٌ يُساءل الوضع السياسي الوطني انطلاقا من وقائع وليس من مواقف مسبقة…
الفتنة… هي الكلمة السحرية المُتداولة لمواجهة احتجاجات الشباب والشابات في مختلف ربوع الوطن، وخاصة في الحسيمة بالريف، حيث وقع الحدث المأساوي والذي أودى بحياة الشهيد محسن فكري…
كلمة “الفتنة” رائجة هذه الأيام، بدون هَوِية محددة، لِكَون لا الدولة ولا وزارة الداخلية ولا الأحزاب ولا الإدارة ولا قنوات التواصل الرسمية تحدثتا عن الفتنة… فمن يُرَوِّج إذاً للفتنة؟
الفتنة الرائجة هذه الأيام، تُذَّكرني بالمسيرة التي شهدتها الدارالبيضاء خلال الحملة الانتخابية السابقة، والتي كان شعارها البارز هو “لا لأسلمة الدولة والمجتمع”، تلك المظاهرة التي بَقِيت يتيمة دون أم ولا أب، لأن الداعين لها، بعدما تَيَقَّنوا أنها فشلت فشلا ذريعا، انْفَظُّوا من حولها وتنكروا لها وللمشاركين فيها… فشلت المسيرة لسبب بسيط كون الشعب المغربي “عَاقْ أُو فَاقْ” منذ زمان…
أَقُول لأصحاب نظرية المؤامرة والفتنة، أن ذاكرة المغاربة قوية وأن ذاكرة أصحاب الفتنة ضعيفة… وأُذَكِّرهم كون نظرية المؤامرة والفتنة كانت رائجة، خلال الأيام القليلة الماضية، بالضبط قبل انتخابات السابع من أكتوبر 2016…
ومَنْ كان حينئذ يُجَسِّد الفتنة؟ كان يقال بالواضح والمرموز أن الفتنة هي حزب العدالة والتنمية… نعم كُلُّنا نَتذكر كيف تم استعمال كل الوسائل لتخويف المواطنين من هذا الحزب الوطني، وهو الذي قاد الحكومة لخمس سنوات، تارة بالقول أنه يخدم أجندة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، تارة أخرى أنه يسعى إلى التمكين من الدولة ووو…
وفَشَل المخطط الفتنوي، وشارك من شارك في الانتخابات ونجح الحزب الذي كان يُشار إليه بالفَتَّان… وحتى نَقفل هذا القوس، وَجَب تَذْكير بعضنا البعض كون قيادي حزبي صَرَّح خلال نفس الحملة الانتخابية أنَّ نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات من شأنه إدخال البلاد في سيناريو سوريا… نعم أم لا؟؟
قبل أسابيع، كان دُعاة الفتنة يُرَوجون أن إِعادة سيناريو سوريا في المغرب سيكون بسبب حزب وطني، هذا الحزب عُهِد إليه بتشكيل الحكومة المغربية القادمة وذلك بقرار ملكي جريء وواضح !!…
وبِقُدرة قادر وفي أقل من شهر، انْتَقَلت الفتنة من الرباط إلى الحسيمة، ومن حزب وطني إلى شباب وشابات الريف، وتَمَّ الاستعانة بأسطوانة قديمة تتحدث عن عبدالكريم الخطابي وانفصال الريف وأجندات أجنبية وووو…
كل هذا كَذِب وبُهتان وافتراء… الجميع يعرف أن الاحتجاجات سواء في الحسيمة أو في أكثر من 30 مدينة وقرية مغربية كانتا لأسباب اجتماعية وحقوقية صِرفة لا أكثر ولا أقل…
في الحسيمة وفي كل ربوع الوطن من طنجة إلى لݣويرة، اجتمع الشباب والشابات حول شعار ومطلب واحد لا غير: لا للحݣرة، نعم للقانون…
هذا القانون الذي هو حُلْمُ ملايين المغاربة والذي تُحَاربه أقلية من المحظوظين المغاربة … هذا هو جوهر الصراع البارحة واليوم وغدا… شعبٌ يُريد أن يعيش في وطن القانون وأقلية تريد وطنا يَحكُمُه قانون الغاب… أَقُلوها بصوت مرتفع : لا خوف على بِلادنا إلاَّ مِنْ مَنْ يُخالف القانون لأغراض شخصية وذاتية…
أَفْشَل المغاربة سيناريو كان معدا يوم السابع من أكتوبر 2016 وسَيُفشلون سيناريو خَلْق تفرقة ما بين المغاربة… أهل الريف مغاربة والمغاربة أهل الريف… وحدة الوطن تجري في عُرُوقنا ووحدة المشاكل والمطالب… ولكل جهة ومدينة وقرية مطالبها الخاصة التي تصُّب في المطالب المشتركة لكل المغاربة من حقٍّ في الشغل والتعليم والتطبيب والتثقيف والحرية والعدالة والكرامة…
الاحتجاجات سَتَمُّر كما مَرَّت احتجاجات 20 فبراير 2011، لأن النسيج الاجتماعي المغربي مُحَصَّن بملكيته وإسلامه المعتدل وتاريخه الجهادي الطويل وقدرة استيعابه لكل الحضارات التي مرَّت على هذه الأرض الطيبة…
لكن العبرة، كل العبرة في استيعاب ما وقع وما حدث…
المغاربة واعون بالتحديات المطروحة، لذا فإنهم سَيَستمرون في المطالبة بحُقوقهم في إطار احترام القانون وسَيَعملون على إنجاح تظاهرة كوب 22 العالمية بمراكش، كما سَيُواجهون أصحاب الفتن ما ظهر منها وما بطن…
هذه الفتنة التي اتَّخذت قبل أيام وَجه حزب وطني إسلامي وفي عهد مضى وجه حزب وطني اشتراكي، وفي هذه الأيام أُلْصَقت بشباب وشابات تألموا لما وقع للمواطن المغربي محسن فكري، وغدا سَتَرحلُ الفتنة لجهة ما أو طرف ما…
أَقُولها بصوت مرتفع، تَرويج مقولات الفتنة علامة، من جهة، على فشل نُخبة سياسية لم تَعُد قادرة على تأطير المواطنين، ومن جهة أخرى، تأكيدٌ ملموس بارتفاع منسوب المواطنين المطالبين بدولة الحق والقانون…
الدستور والقانون، هما المفتاحان السحريان لبناء مغرب يتسع للجميع…
عبدالحق الريكي
الرباط، 03 نونبر 2016