بقلم : المختار أعويدي

المختار أعويدي

 

وأنا في طريقي البارحة إلى مدينة وجدة، فوجئت عند النقطة الدائرية Rond Point على مستوى المنطقة الصناعية لمدينة سلوان، بدركي يطلب مني ومن سائقي باقي العربات، تغيير الإتجاه نحو المدينة المذكورة، لأن الطريق مغلق على حد تعبيره. بعدها حاولت اختصار الطريق، بالمرور عبر الطريق الرابطة بين سلوان والحي السكني صوناصيد، في اتجاه مدينة وجدة. لكنني فوجئت أيضا بدركي ثان، يمنع حركة المرور عبر هذا المحور الطرقي بدافع نفس السبب. لم يكن أمامي من خيار، سوى دخول مدينة سلوان، ثم مغادرتها في اتجاه الناظور، بهدف العودة عبر النقطة الدائرية التي في خارج المدينة إلى حي صوناصيد. ومنه إلى الطريق المؤدية إلى مدينة وجدة. وكان هناك دركي ثالث كذلك، يمنع حركة العربات القادمة من الناظور من المرور في الإتجاه الذي سرت فيه، أي اتجاه النقطة الدائرية لصوناصيد.
بعد وصولي إلى النقطة المذكورة، التي بدورها كانت مغلقة، وتشهد تكدسا كبيرا لعربات النقل المختلفة. وكان في نيتي الإنعطاف نحو المقطع الطرقي المتجه نحو وجهتي المرغوبة، كانت مفاجأتي أكبر وأصدم. ففي الوقت الذي كنت أعتقد أن هذا الإغلاق للطريق، ناجم عن أشغال كبرى تقام في المكان، أو نتيجة وقوع حادث مروري كبير لا قدر الله. فإذا بها تظاهرة طلابية تنتظم في شكل حلقية كبيرة، تحتل مفاصل الطرق الأربعة، المشكلة للنقطة الدائرية، المؤدية كل منها إلى مدن، وجدة الناظور الحسيمة وسلوان. وتغلقها معرقلة حركة المرور بالكامل. علما أن هذه النقطة المرورية بالذات، تمثل عصب حركة المرور من الناظور وإلى مختلف الوجهات، القريبة منها والبعيدة.
ركنت السيارة جانبا، ونزلت لأجل استطلاع الأمر، فإذا هي مظاهرة طلابية احتجاجية وتضامنية، مع أسرة الضحية المرحوم محسن فكري. تردد شعارات ذات مضامين نضالية احتجاجية.
لم يكن أمامي من خيار في ظل هذا الإغلاق الكامل للمقطع الطرقي المتجه نحو مدينة وجدة، سوى أن غادرت المكان مرة أخرى في اتجاه سلوان، مستكملا دورة كاملة من 360 درجة، بفعل استهتار من يدعون النضال الأعرج، ومن يمارسونه بهذه الطريقة العرجاء، التي لا تقيـم ولا تقدر خطورة مثل هذه القرارات الغبية، التي تتسبب في الإضرار بمصالح المواطنين عامة، ومستعملي الطريق بصفة خاصة. ومنها توجهت إلى الطريق الساحلي عبر مدينة رأس الماء والسعيدية، في اتجاه الوجهة المقصودة.
غادرت المكان وفي نفسي خيبة أمل كبيرة وصادمة في التظاهرة وفي منظميها. إذ كيف يعقل الجمع بين التضامن مع أسرة الضحية من جهة، وهذا أمر مشروع ومرغوب ومودود، وفي نفس الوقت، إلحاق أضرار فادحة بضحايا آخرين، وبأعداد لا حصر لها من مستعملي الطريق؟؟!! والتسبب في بلبلة وفوضى عارمة لحركة المرور، نجم عنها تكدس كبير لأنواع العربات على المحاور الطرقية الأربعة، وتعطل للحركة ولمصالح الناس المختلفة تماما، وتراكم منسوب غير قليل من الغضب والسخط والتنديد، لدى كل مستعملي الطريق لحظتها، بمثل هذه القرارات المتهورة، لطلبة يُفترض فيهم الإرتقاء بالحس النضالي، والنفس التضامني، والروح الإحتجاجية، إلى مستويات لا تؤذي الآخرين، بل تعمل على استمالتهم إلى صفهم ومطالبهم وانشغالاتهم، واستمالة تعاطف وتضامن ودعم كل مكونات المجتمع المختلفة. فقد يكون بين مستعملي الطريق الذين شلت حركتهم بالكامل، المريض والمسافر والمتعجل والموظف والعامل والطالب، وناقل الدواء وناقل الغذاء، وسائق سيارات الإسعاف، أو شاحنات الإطفاء.. بالمختصر المفيد، فإن حركة النقل ترتبط بها حياة أناس، ومواعيد عمل، أو سفر أو ما سواها من المصالح.
فما دام أن رسالة التظاهرة نبيلة في روحها وهدفها، مبررة في زمنها وتوقيتها، فما الذي يدعوها إلى إغلاق الطريق العام، وقطعه أمام مستعمليه. ويدفع إلى عرقلة حركة المرور به يا ترى؟ أهكذا يكون النضال؟ بالتسبب في فوضى حركة النقل، من أجل إسماع الصوت وتبليغ المراد؟؟ ألا يعلم منظمو التظاهرة، أن مثل هذه القرارات المتهورة، يمكن أن تفرغ التظاهرة من مضمونها الإيجابي والراقي، ومن رسالتها التضامنية النبيلة حتى؟ !
كان ينبغي على الأقل، قبل اتخاذ مثل هذا القرار غير المسؤول، تقدير الأضرار والأخطار التي يمكن أن يتسبب فيها إغلاق محاور طرقية حساسة، وعلى قدر كبير من الأهمية. فقد يتسبب ذلك في إزهاق أرواح، وقد يلحق خسائر فادحة بأشخاص، وقد يعطل مواعيد حاسمة تتعلق بشغل أو سفر أو أعمال.. فإنه ينبغي إدراك أن من بين مستعملي الطريق، من يرتبطون بمواعيد والتزامات قاهرة وحاسمة.
وعليه فأن يتم إغلاقها بقرار متهور، غير مدرك لجسامة الأخطار، ولا مقدر لحجم الخسائر التي يمكن أن يسببها، يُمثل قمة الإستهتار واللامسؤولية. فإذا تسبب قطع الطريق العام بمثل هذا الأسلوب المتهور، في خسارة روح بشرية واحدة، كان عامل الزمن حاسما في إنقاذها، فما جدوى تنظيمنا للمظاهرة، وادعائنا للتضامن مع المرحوم فكري. أليست رسالة التظاهرة هي رفع الظلم والإجحاف والضرر على أسرة المرحوم فكري. فالأولى الحفاظ على أرواح قائمة، والحيلولة دون التسبب في أضرار وخسائر، منه من التظاهر على روح قضت !!
لعل مما زاد في إثارة استغرابي وتعجبي بعد اقترابي من التظاهرة، كما سلف، لاستطلاع أهدافها، وقيامي بالتقاط بعض الصور لها، هو اقتراب أحد الطلبة مني، وهو واثق من وهم “نضاله” الأعرج، ومعتد بأدائه لدور “بطولي” في التظاهرة على أحسن وجه. وطلب مني عدم تصوير التظاهرة، لأن بين المتظاهرين طالبات لا يردن الظهور على شبكة الأنترنت !! كان يحدثني وهو مزهو بنفسه، ويختلس بين الفينة والأخرى نظرات في اتجاه بعض الطالبات المتابعات لما يجري، لعلهن يعجبن بما يعمل على تحقيقه من أجلهن من فتح نضالي مُبين.
لم تكن الأجواء المنفعلة في المكان تسمح بتلقينه ما يستحق من دروس اللباقة واللياقة والنضال. ولكن هذا التصرف، جعلني أخلص إلى أنه مازالت هناك مسافة ضوئية، بين النضال في صورته الصحيحة، كقيمة إنسانية راقية، تهدف إلى رفع الظلم والقهر والضرر والحكرة، وكل أشكال التسلط والقمع عن الناس، وبين هذا العبث الذي يمارسه بعض هواة الإستعراض البائس، وإثارة الفرقعات الإعلامية الجوفاء.
إغلاق الطريق العام واحتلاله بالكامل، والتسبب في فوضى عارمة، وازدحام مروري خانق. إضافة إلى منع تصوير التظاهرة، لأن بين المتظاهرين “نساء من حريم السلطان”، لا يجوز لآلة التصوير انتهاك حرمتهن !!! يا لبؤس المشهد وترديه، وانحداره إلى الحضيض النضالي.
لا أفهم ما الذي يدفع بمثل هذا النوع من الحريم، اللواتي يخشين من كاميرات التصوير، إذا صح قول هذا المناضل البائس، إلى قارعة الطريق العام، والمساهمة في إغلاقه، والتسبب في بلبلة مرورية عارمة. علما أن المثل الشعبي المغربي يقول: “اللي كيضرب البندير ما يخبي وجهو” !!
تابعت سفري إلى الوجهة المقصودة عبر الطريق الساحلية إضطرارا، حيث أنساني جمال المناظر الطبيعية، التي يزخر بها المقطع الطرقي المذكور، بؤس مشهد الإستعراض النضالي الأعرج. والمتاعب التي جلبها لي ولجميع مستعملي الطريق وقتها.
وعليه، إذا كانت هناك من فائدة تذكر لهذا التغيير الإضطراري للطريق المؤدية إلى وجهتي المقصودة، فهي الإستمتاع بهذه المناظر الخلابة، والتلذذ بتناول وجبة سمك طرية في أحد مطاعم رأس الماء.