بقلم :الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

الحمل ثقيل والمقال طويل ، ومن سيفهمه قليل وليس ثم من بديل ،نسال الله ان يلهم القارئ والكاتب الصبر الجميل .
اجل مازلت اذكر ان لم تخني الذاكرة كلمة وردت في إحدى الخطب الملكية السامية ،أظنها بمناسبة افتتاح إحدى الدورات البرلمانية ،كانت موجهة بالأساس الى أفراد الشعب كرد على الاعتصامات الطلابية ،وانتقاد مختلف الطبقات الاجتماعية والإعلامية لهذه المؤسسة التشريعية ، والتي أراد بها جلالته جعل المؤسسة الملكية في حل من كل الشبهات والمسئوليات ،وكل ما سينسب إليها من الأسباب والمسببات ،وما يوجه اليها من الاتهامات .وقد ألقى جلالته بكل هذه الأثقال على كاهل الشعب حينما آمر بضرورة اختياره لممثلين أكفاء ،مثقفين وخبراء ،مفكرين ونبغاء ،ملمين بأوضاعه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على حد سواء ،وفي كل الميادين رجال ونساء في مستوى حجم المسئولية الملقاة على عواتقهم ،وثقل الأمانة المطوقين بسلاسلها أعناقهم ، وقد أنهى صاحب الجلالة كلمته القيمة بتعهده على ضمان حرية الاختيار ،في ضل الديمقراطية والأمن والاستقرار، مقابل تحمل هذا الشعب نتائج سوء اختياره .وسوف لن يقبل منه بعد ذلك اي طعن او انتقاد
كلمة فاصلة يكون صاحب الجلالة قد وضع الإنسان المغربي الواعي على الخصوص امام خيارين لاثالث لهما أحلاهما مر. فأما المقاطعة وتعني تنازل الناخب عن حق من حقوقه الوطنية على مضض ،وهي خيار قد يضرب في صميم الديمقراطية وعمل تأباه الدولة . وأما المشاركة السلبية فهي تعني الضرب في نزاهة الأحزاب السياسية التي تتحدى أحيانا باختياراتها القبلية إرادة الشعب وتطوق حريته بأسلاك شائكة، وهي خيار اخر قد يجعل هذا الشعب غير حر في اختياره ، في هذه الحالة يجد نفسه غير ملزم بتحمل مسئولياته ،مادامت هذه الاحزاب تعرض عليه مرشحين ليسو في مستوى تطلعاته ،وتفرض عليه التصويت رغما عن إرادته ،وكل ما سينتج على هذين الخيارين فهو يخالف مضمون ما ورد في كلمة صاحب الجلالة بالمناسبة ،لذلك يحرس الجانبان الدولة والاحزاب معا على أهمية المشاركة سلبية كانت ام ايجابية ،فقط من اجل حفظ ماء وجه الطرفين ،ومهما كانت هذه المشاركة ستضفي بعض المساحيق لتخفي الندب من على وجه الديمقراطية في البلاد ، فإنها في نفس الوقت تعزز أسس احزاب فاشلة و تزكي عمل المفسدين ، وتكرس الوضع السائد على حساب الشعب ليبقى دائما هو الضحية والى اجل غير مسمى
من المفروض في أحزابنا ان يكون عملها مسترسلا وليس مناسباتيا او موسميا كما نراه مجسدا على ارض واقع يرفضه الواعي و يأباه الناخب المغربي ولا يجده سوى نوعا من الممارسات الشكلية التي تنصب فيما هو تجاري محض ، في كلتا الحالتين ستبقى الدولة هي الجهة الأكثر تضررا يفرض عليها الواقع إعادة النظر في مؤسساتها الدستورية ،ويحتم عليها التدخل من اجل معاينة سبل صرف الدعم المادي الذي تقدمه لأحزاب الزعامات بلا محاسبة ولا رقابة ولا تتبع لإشغال بناء صرح هذه الديمقراطية على أسس سليمة ،كما يجب عليها ممارسة حقها في مراقبة الاختيارات القبلية للمرشحين كطرف شريك في هذا الورش ،وفرضها شروطا ملزمة بتفعيل دور الجامعات بما أفرزته من النخب السياسية والفكرية وحملة الشهادات حينذاك يمكن توجيه اللوم للشعب وتحميله المسئولية على نتائج سوء اختياره .وبذلك تكون الدولة قد قامت بدورها الفعال من اجل تعزيز الأسلوب الديمقراطي السليم لإدارة شؤون البلاد والعباد . على العموم فلا خير في امة يقودها أميون باسم الديمقراطية ،ولا في دولة يدبر شؤونها الجهلاء باسم الحرية ،ولا خير في حكومة فسيفسائية بألوان طيف غير منسجمة لا تليق بمجسد الديمقراطية ولا تتلاءم مع مفاهيم الحرية ولا تعزز مكانة دولة الحق والقانون .وقد تتناغم بشكل كبير مع قوله ص ع س ” اذا أسندت أمور لغير أهلها فانتظر الساعة
ما سمعنا ولا رأينا في مدينتنا او غيرها قبل الاستحقاقات بسنين او بعدها بنشاط حزبي من اجل تاطير الشعب وتكوينه سياسيا او اجتماعيا او ثقافيا ،الى حين اقتحام الموسم الانتخابي عندها نلاحظ بعض التحركات المحتشمة ،وافتتاح أبواب بعض الدكاكين من اجل استقبال المعروضات الانتخابية وانفتاح مرشحين وهم أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالثقافة ولا هم يعقلون .كالولدان يطوفون بأطباق من فضة وذهب فيها من كل أنواع البذل والعطاء ،وتوزيع الأطماع والوعود الكاذبة على الجمعيات والمؤسسات الخيرية والسذج والمستضعفين على حد سواء ،باعتبارهم البضاعة المتوفرة في أسواق المقايضة الانتخابية .قلما تشرق الشمس على شوارع مفروشة بالألوان وواجهات منمقة بصور وجوه قد تغيب وتختفي عن الأنظار الى ما بعد الخمسية او العشرية الموالية

ولا أدل على ذلك من مهزلة تصدر معظم أصحاب الأكياس لرؤوس قوائم بعض الأحزاب السياسية او المقاولاتية اذا صح التعبير ، جلهم ان لم يكن معظمهم ، ويأتي بعدهم في الرتبة الثانية على القائمة أصحاب الحقائب ومن بعدهم في الرتب الأخيرة السماسرة وباعة الوعود الكاذبة ، في هذه الحالة يكون الاختيار القبلي لهؤلاء من طرف أحزابهم هو اختيار تقليدي يسري على العرف الحزبي الذي يتنافى مع إرادة النخبة الناخبة الواعية التي تجد نفسها مسلوبة الحرية في اختيار من يمثلها عن جدارة واستحقاق فأصبح من المفروض عليها الاختيار بين المقاطعة الانتخابية او المشاركة السلبية، ولهذا الاختيار ما يبرره . وان كانت كلتا الحالتين تضربان المصداقية الحزبية في عمقها وتقضي بضرورة معاودة حساباتها والعمل على تأثيث بيتها والتنقيب من جديد على الفعاليات الثقافية والفكرية والعلمية القادرة على الخلق والإبداع فان كان وطننا لا يخلو من هذه القدرات الا انه قد يصعب علي أحزابنا استقطابها وعلى دولتنا احتواؤها واستيعابها . لذلك يكون من هاتين الحالتين ما يشكل ضربا قد يصيب الديمقراطية في صميمها فيلزم الدولة الى وضع إصبعها على موضع الخلل لتقوم بإصلاحها حبا او كرها والحكم على هذه الأحزاب بضرورة تفعيل أقوالها وتنفيذ برامجها مقابل ما تقدمه لها من دعم ومساعدات تعد بملايين الدراهم من اجل حملاتها الانتخابية وانتقائها لرجال ونساء قادرين وقادرات على تحمل مسئولياتهم وتشريف المشهد السياسي في مغربهم .وعملهم على تحويل قبة البرلمان من مسرح شعبي ومن غرفة للراحة والاستجمام ،الى مختبر بحث علمي وخلية نحل منتجة لتشريع راق قد تتبناه دول العالم
لا تغيير يبدو في الأفق ما لم يتغير المفهوم التقليدي للديمقراطية ودولة الحق والقانون، وما لم يتغير قانون تأسيس الأحزاب من طرف المترفين الذين يخلقون فيها مناصب الزعامة لأنفسهم والأمانة العامة لورثتهم يجعلونها حصنا لممتلكاتهم وحماية لمصالحهم ،وما لم تلغى الأحزاب المقاولاتية التي تحتكر التزكيات وتتاجر في حرية الشعب وثقته ثم إبعاد المرشحين المترفين غير ذوي الكفاءات والقدرات السياسية والعلمية والفكرية والثقافية ،من كانوا عبر العصور يشكلون أدوات فسق وفساد واليات لتدمير القرى و الأوطان . بذلك ربما يبدأ إصلاح الأوضاع الاجتماعية المتردية ويتم إغلاق الأبواب في وجه السماسرة وبائعي الذمم . بدونه لا يمكن لمثل هذه الانتخابات وهي أصلا غير نزيهة ولا شفافة ان تفرز لنا مجلسا يتقن التشريع ويحسن التدبير وتنبثق عنه حكومة مثالية قوامها الكفاءة والنزاهة في الخلق والإبداع والقدرة على إدارة الأزمات ،وتمتلك الشجاعة لتمثيل المغرب في الداخل كما في الخارج أحسن تمثيل
اما إذا كان الأمر والحكم والاحتكام في كل الأحوال يرجع الى الملك وتصبح هذه الأحزاب غير ذات جدوى ،وهذه الحكومة عديمة الصلاحية فلا مجال إذن من مضيعة الوقت في معاودة التجارب الفاشلة منذ أكثر من خمسين سنة ،واستبعادا لكل التكهنات ودرءا لكل الشبهات ودفعا لكل الاتهامات عن المؤسسة الملكية والمحيط الملكي المستغل منذ سنين من طرف بعض الدعاة السياسيين والحزبيين الذين دفعوا اليوم بصاحب الجلالة ليخرج عن صمته فيعلن صراحة عن ميلاد حزب جديد قديم قد يتزعمه منذ أمد بعيد ألا وهو ” حزب المغرب ” ذلك الحزب الذي يدعو بصفة مباشرة او غير مباشرة جميع النخب اللامنتمية بدءا بالعازفين مرورا بالغاضبين انتهاء بالمغتربين المحرومين الى الانخراط بكثافة في حزب مغرب المغاربة ووطن المناضلين فيه من اجل حرية الاختيار وحق المحاسبة والرقابة والعقاب في ضل قضاء يحكم بالعدل والقسطاس المبين ليجعل هذا البلد آمنا مستقرا تحت رعاية جلالته السامية ووطنا لكل المغاربة يعيشون فيه سواسية في إطار عدالة اجتماعية متميزة
وإلا ستبقى الديمقراطية في بلدنا ابعد ما تكون من كل الديمقراطيات ودور أحزابنا فيه اضعف من كل الأحزاب ويبقى حال دولتنا كصرح يقوم على قاعدة هشة ،نموذجا سيئا بين سائر الدول النامية والمتنامية .في كل الاحوال سيبقى الشعب وحده من يؤدي الثمن على مدى السنين الطويلة ،معرض أبدا لاكراهات قانونية وضغوطات اقتصادية غير محتملة قد تجعله ذات يوم يتمرد على النظم الظالمة والقوانين الجائرة . واذا بلغت ردة فعله هذا الحد ستخرج على السيطرة وتكون لها الانعكاسات السلبية على الأمن والاستقرار في وطننا الحبيب .لذلك لا ينبغي الاستهانة بثقل الأمانة والتملص من المسئولية كلاهما يشكل مشروعا مشتركا بين دولة وحزب وناخب ومنتخب ،وعلى قدرها وحجمها يجب ان تكون المحاسبة القبلية والبعدية ومن ثم المحاكمة القاسية، عبرة بكل من يتطفلون على تحمل مسئولية الدولة والنهوض بعبء أمانة الشعب وهم اضعف من نملة على حملها ، واجهل من ذبابة على النهوض بثقلها وتدبير شؤونها .لذلك ومن اجله قد يكون خيار النخبة للمقاطعة و للمشاركة السلبية والانضمام الى كتلة غير المسجلين في اللوائح الانتخابية ، والمصوتين منهم باللاغية والمحرومين كذوي الحاجات الخاصة وافراد الجالية وغيرهم كل ذلك يعتبر اختيارا ديمقراطيا مشكلا لاغلبية يجب احترامها والأخذ به من قبل دولة الحق والقانون
وبالتالي انطلاقا من وعيي وقناعتي الراسخة بان النخبة القليلة هي التي تحدث التغيير ، وأرى من منظوري الخاص ورأيي المتواضع ان الديمقراطية في كل بلد لا تنسجم أبدا مع جهل شعوبها، وإيمانا مني بالحرية لدى اي شعب قلما تتفق مع حال فقرائها، وكلاهما ضدان لا يجتمعان . وإلا سنكون كمن يضع مسدسا بيد الفقير ويقول للجاهل مره بالضغط على الزناد وإطلاق الرصاص من اجل اغتيال الديمقراطية واعتقال الحرية ،فتصبح الدولة هي الجانية واشبه ما تكون بغابة غير محمية تفتقد فيها العدالة الاجتماعية ،فتعطى الفرصة للقوي للانقضاض على الضعيف ويصبح الشعب كفريسة ممزقة بأنياب كل سائمة ومخالب كل حائمة