بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

اجل لقد أصبحت مدينة تاوريرت قبلة الوافدين من دعاة الزعامة والسياسة ، ومحج دعاة الثقافة والإبداع ،ووجهة دعاة النبوة وحملة الرسالات ، وملتقى بحور الشعر ووديان الشعراء الهائمين ،وسبيل من يتبعهم من الغاوين ، وبحيرة هادئة لهواة السباحة في المياه العكرة، ومحمية أمنة لرعاة الحملان الوديعة ،وبالتالي ليس استهزاء ولا سخرية بكونها أشبه ما تكون ” بدار بنات للا منانة ” وحالها لا يختلف عن حال مرثية حافظ إبراهيم
فإذا كان من المسلم به عدم توفر هذه المدينة على مثل هذه الكائنات او وجود وتواجد أشباهها ،وهي تفتقر حقا الى طاقات إبداعية وثقافية وعلمية وفكرية وسياسية محنكة ،فانا لست مدافعا على حق ملفوف بباطل، ولا على شيء غير موجود ،ربما يكون الأمر كما يجدون وقد يبرر الغياب ما يوصف به الغائبون وينعتون . فإذا تطلب من اجله الحال استقطاب هذه الفعاليات الثقافية والفكرية ،واستيراد مثل هذه المكونات السياسية والنقابية ، من اجل ملء الفراغات وخلق فضاءات للتكوين في كل هذه المجالات، قد يكون الأمر مرحبا به مباركا فيه ،ولا نرى ما يعاب على من يعمرون أرضا خلاء ويسكنون قفارا تنعدم فيه الحياة .
ولكن أخاف ان يكون غياب او تغييب الفاعل المحلي الحقيقي والفعلي و إبعاده عن ساحته في مثل هذه المناسبات والتظاهرات استهزاء او استعلاء ،وإقصاؤه من مجالات تخصه كعمل فيه إن وكأن وليت ولعل قد يصح تأويله وتحويله الى مفاهيم متعددة ، فان كان للمغيبين بفتح الغين او كسرها حجتهم قد يكون للآخرين مبرراتهم ، وكذلك للغائبين دليلهم ،في ضل هذا التضارب ألمصلحي الضيق لا ينبغي لهذه المدينة اليائسة او الميئوس منها ان تبقى مسرحا لهذه المعارك ،وأرضا تتوالى عليها الفضائح السياسية والاجتماعية والثقافية وأهلها لا يحركون ساكنا وهم ينظرون ، الا ان يكونوا أمواتا وهم تحت أطباق ثراها يرقدون ، ليت هذه المدينة عقمت ولم تلد إناثا ،او أدت بناتها اذا لم تجد لهن حماة . ليتها ثكلت قبل ان تضحى رهينة وليس بين أبنائها من يفديها وسبية ليس فيهم من يعتقها كلهم في شغل عنها باللهو والمجون تارة ،وبالعراك والتطاحن بدافع الأنانية وحب الذات تارة أخرى ،وباسم السياسة وحب الرئاسة تارات متعددة واذا تغشى البغض والحسد كل هذه العقليات كانت الطامة وليس بعدها طامة
ترى هل بعد هذا كله يحق لمدينة تاوريرت كحسناء في عصمة من لا يكف بها ان تطالب بالطلاق للشقاق ..؟ وكان الأجدر بها ان تتحول من كونها عفيفة مصونة الى عاهرة ترتمي بين أحظان الرذيلة ، فتشتري متعتها بقيمة مهرها ، ؟ فلا صان الله بعد هذا الذل كرامتها ، وإذا كانت الغيرة خامدة في صدور رجالها وأبنائها فلا اعز الله بعد هذا الهوان شرفها ، ولا أحيا فوق أرضها من ألحق بمسقط رأسه اسمها، انها كلمات جارحة الى حد ما وقاسية تنبع من قلب جريح تكاد الغيرة تخنق مهجته فيلفظ أنفاسه الأخيرة
لست محرضا على ما فيه شر هذه المدينة وأنا فيها ،ولا احسب القلة المستضعفة التي انتمي اليها في حاجة الى ذلك ،ولا بكتلتهم المفككة هم اقدر على ان يغيروا من شانها وطبعها وطبيعتها ،ولكن كثرة سفهائها من لا يزيدهم القول الا تعصبا وكبرياء وحقدا وضغينة ، سيقولون ما يريد هذا بقوله إلا علوا في أرضنا وتعاليا في سمائنا بلا ولنا أرضنا وسماؤنا . وإنما شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون وأزيد لقوله تعالى ألعمي الذين لا يبصرون ، قليل منهم المبصرون الذين يقفون عند النقطة والفاصلة والمتعقلون الذين يحاولون سحب ولو علامة استفهام واحدة بدلا من مضيعة الوقت في البحث عن شبهات ليدرءوا بها الواقع الذي فيه يعيشون ، لست محتاجا لمن يعجب بمقالاتي ، ولا مهتما بمن ينبذ كتاباتي ، بقدر ما يعجبني الذي يلوح لي من بعيد عن فهمه لإشاراتي ،فيجعلني انحني له احتراما وتواضعا كمحب له ولهذا البلد لنمسك معا على طرفي حبل الوصال لنواصل وتحية مني خالصة الى من يفهمني
على اي أتمنى ان لا يكون قولي هذا غاية ما أقول ولا كتابتي نهاية ما اكتب في حق المدينة امي ،فان لم يكن في محيطها من يسمع او يعي ،ولا في حضن الأم من يقر بجود الضرع وكرم المرضع ،ربما يكون ضمن الأجيال المقبلة متعطشون الى ما يدمي قلوبهم، وهم في حاجة الى ما يستذرف دموعهم على أطلال من سبقهم ،فان كنا شهودا على عصر أبائنا والتاريخ على أسفنا لجهلهم ،كذلك يشهد أبناؤنا على عصرنا فيندمون على لامبالاتهم ، وستبقى حرقة الندم على التفريط وأثاره اشد من وجع الأسف على الجهل ومآله ، وسوف لن يجدينا الندم او ينفعنا الأسف وشفاعة الزمان