بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

وأخيرا انكشف سر أمين السر “بنكمون ” واظهر للرأي العام كيف يسقى الكمون داخل مشتل “بنكمون” وكيف تعالج قضايا الشعوب المتفرقة داخل برج الأمم المتفقة على ” استتباب الأمن والسلم وضمان الاستقرار بين الدول والشعوب ” هيهات وقد صدر عنها منذ أكثر من سبع عقود ألاف القرارات ضد إسرائيل وعشرات الآلاف لصالح الفلسطينيين دون فائدة وكما أصدرت مئات القرارات الظالمة لإسقاط دولة العراق بدعوى باطلة واللائحة طويلة
كما ظل ملف الصحراء المغربية وان كان حاله يختلف عن أحوال الملفات المذكورة ما يهمنا هو كيفية معالجته التي لا تختلف كثيرا إلا من حيث الشكل وأما من حيث المضمون فهو بدوره أصبح خاضعا للمتاجرة لدى امين سر الأمم المتفقة وبضاعة رائجة في أسواق الكتل المتعاملة بالعمولات وإبرام الصفقات وفق ما أظهره أمين سرها الذي أبى الا ان يغادر البرج خالي الوفاض
منذ أكثر من أربع عقود خلت مازال ملف الصحراء المغربية لم يبارح مكانه على رفوف متاجر الأمم المتحدة المتحكمة في بورصة قيم الأسهم المتداولة كثير منا كانوا لا يعلمون كيف تدار أمور الدول وتعالج مشاكل الشعوب داخل برج الأمم رغم التكنولوجية المتطورة لم تستطع هذه الأخيرة اختراق هذا الفضاء المغلق الذي تصدر عنه مثل هذه القرارات المخربة باسم الديمقراطية المتلونة وحقوق الإنسان على الحيوان وحق الفيتو الذي يضرب عرض الحائط بكل الآراء المخالفة
هذه المصطلحات الخاصة التي لا يفهم كنهها وكيفية استعمالها إلا أصحابها امثال بوش الابن الذي فسر بعضها بقوله ” من لم يكن معنا فهو ضدنا ” كل ذلك قد كشف عنه أمين عام سر الأمم أثناء قيامه بزيارته الخاصة التي قادته الى الجزائر التي ينضج قدرها بالذي فيه ليس من اجل الوقوف على وضع المكممة أفواههم في اعالي جبال الاوراس والمضربين عن الطعام في المدن الشرقية ولا على وضع الثكالى وأرامل المختفين وأمهات المفقودين المعتصمات في طريق “بنكمون ” المؤدي الى قصر المرادية ومن ثم الى تندوف ليس من اجل تفقد أحوال المحتجزين والمعتقلين وسبر أغوار من يسمون الشعب الصحراوي المكافح من اجل تقرير المصير فيعمل على رفع الطوق والحواجز ليعلم ان كانوا حقا شعبا صحراويا يرغبون في تقرير المصير ام كانوا مواطنين مغاربة يريدون الالتحاق بوطنهم فيفك قيودهم

لم يتباحث بنكمون مع المسئولين هناك في موضوع انتهاكات حقوق الإنسان ولا على مشكل تحويل المساعدات الدولية التي أثارها الاتحاد الاروبي ولم يتباحث معهم في شان مطالب المنظمات الحكومية والغير الحكومية المتعلقة بإحصاء ساكنة المخيم لكن لا شيء من ذلك كان يهم السيد ” بنك ” بقدر ما يهمه استخلاص المقابل وما تبقى بالذمة من النذر قبل انتهاء مهمته فيقال بمبررات واهية انها مجرد زلة لسان او خطا لفضي لم يكلف صاحبه استدراكه في حينه بالعفو
ولكنها فضيحة من الحجم الواسع قد تورط فيها رجل من العيار الثقيل في مستوى امين عام للامم المتفقة ليختم على عدم مصداقية هذه الاخيرة ويوقع على تفريغها من محتواها ثم يحدث فيها شرخا قد لا يشعب الا باعتراف صريح بزلته وخطئه واعتذار فصيح للشعب المغربي ولملكه الذين فهموا اليوم وربما اكثر من غيرهم وتاكدوا من كل ألاسباب التي من اجلها ضل ملف صحرائنا عالقا طوال هذه المدة وقد كان في استطاعة المغرب ان يحسمه في ظرف لا يتجاوز يوما وليلة في حال خروجه من خندق الدفاع الى إستراتيجية الهجوم والا ستبقى قضيته كما هي يتجاذبها المد والجزر وكفريسة تمزقها الانياب ، وبالاحرى بقرة حلوبا كما يشاء لها “بنكمون “ومساعدوه أمثال روس وبيكر وغيرهم وان تبقى صحراؤنا طعمة على شوكة المتصيدين وسوقا رائجة لمختلف المتسوقين على حسابنا وحساب جيراننا وان يظل الوضع كما هو منذ أربعين عاما ومثلها مستقبلا ما لم تنفذ خزينة الجزائر او تغور أبارها النفطية
ان كان هناك مفلسون قياديون حقا قد يكونون هم قياديو هذه الدولة الذين خلقوا دولة داخل دولتهم وان كان هناك اغبياء حقا قد يكونون هؤلاء السياسيون الذين يمولونها بأموال شعبهم الذي هو في أمس الحاجة الى رغيف وجرعة وسكن وحبة أسبرين وكلما اشتد به الضما والجوع والعراء وخافوا من ثورته أسكتوه وهدءوا من روعه بذكر خطر يأجوج ومأجوج المغربي الذي من اجله يستغيثون بمثيل ذي القرنين يبني لهم دونه سدا ويفرغ عليه قطرا حتى لا يرى هذا الشعب وراءه ما يثير غضبه ضد حكومته
وحينما انخفض سعر البترول وانعكس أثره السلبي على سكان المخيم اضطر الجنرالات وتجار الرقيق الى التخلي عن جزء من المساعدات الغذائية الدولية التي كانت تحول الى حساباتهم الشخصية لفائدة الجائعين والمرضى والعراة في صحراء تندوف المحتلة بعد ان عجزت او كادت تعجز خزينة الدولة عن تموينها من عائدات الضرائب والثروات الطبيعية للشعب الجزائري المحروم من ريع ثرواته الطاقية منذ اكثر من اربع عقود حتى اصبح حاله اليوم قلما يختلف عن حال شعب دولة وهمية داخل دولته الحقيقية باسم المبادئ على حسابه حيث من المفروض ان يكون عيشه في مستوى عيش غيره من شعوب الدول النفطية الغربية والشرقية هذا الريع الذي كان وما يزال يحول بالملاير الى جيوب المؤلفة قلوبهم من اجل استمالتهم للاعتراف بدولة وهمية متكونة من لقطاء وحثالة المجتمعات المتاخمة ومرتزقة من الدول المجاورة وكذا من محتجزين تم حشدهم في مخيمات فارغة ومهجورة مصيرها الى زوال رغم ما يبذله بنكمون وغيره من رؤساء دول على قد حالها حينئذ سيتساءل الحكام الجزائريون عن الخسران العظيم الذي لحق بهم وانعكس سلبا على شعبهم
علما ان المغرب الذي يعد من الدول العريقة في التاريخ الذي شهد عقيقة كثير من الدول بما فيها أمريكا الدولة العظمى في العالم والتي قد يكون المغرب اول من اعترف بوجودها وشهد على يوم مولدها رغم ذلك مازال مع الأسف يعاني من اثر تكالب الدول التي سعت من اجل احتلاله خلال الظروف الصعبة ورغم ذلك لم يكن الشعب المغربي اقل شجاعة ليحمل السيوف والعصي ليواجه بها المدافع والقنابل والمدرعات والأساطيل فيفنى على بكرة أبيه وإنما بالحكمة البالغة والسياسة الرشيدة استطاع إجلاء قوى الدول المتكالبة بأقل خسارة في الأرواح والممتلكات مقارنة بغيره من الدول المستعمرة ومن بينها جارتنا الشرقية التي قدمت مقابل مثل ذلك أكثر من مليون ونصف المليون شهيد او ضحية ان دل ذلك على شيء إنما يدل على الحكمة والسياسة الرشيدة التي انتهجتها الدولة المغربية العريقة الرامية الى العمل على استكمال وحدتها الترابية بالطرق السلمية والحضارية حقنا لدماء الطرفين وحرصا على حياة الإنسان المغربي باعتباره الرأس المال الغير المادي الذي بدونه لا يمكن لدولته ان تبني مجدها وشموخها بالطبع حينما تم نضج فكر الطرف الأخر الذي ابى الحسن الثاني رحمه الله ان يشهر في وجهه السلاح فاكبر فيه المستعمر الفرنسي والاسباني وغيرهما هذا التصرف الحكيم ثم عمدوا الى الرحيل عن أقاليم الساقية الحمراء وواد الذهب وسيدي افني منهما الى الصحراء الجنوبية ومرورا بتندوف فالي الصحراء الشرقية ان شاء الله ولكن حينما سيتم نضج حكام الجزائر أيضا وصولا الى سبتة ومليلية ولو بعد خمسمائة سنة اما اذا كان النظام الجزائري يريد تحويل الأنظار عن هذه الحقائق يجب ان يعلم ان قضية صحرائنا الشرقية سيأتي دور تحريرها يوم سيفرض علينا ذلك وفق ما تقتضيه الظروف حينئذ ووفق ما تراه الاجيال المقبلة ممكنا
قد لا تنال ممارسات الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر من حزم المغرب باسم مبادئ مزاجية والقول بمناهضتها الاحتلال بكلمات خيالية وبعدم المساس بوحدة تراب الأوطان باستثناء وحدة تراب المغرب واحتلالها لصحرائه الشرقية وتنكرها لمعروف الجار الذي قدم للشعب الجزائري الشقيق الغالي والنفيس ووقف الى جانبه في لياليه الحالكة وشاركه في محنه الدامية واقتسم معه الرغيف والجرعة لكن رجالات هذا الشعب الكريم لم تسمح لهم طغمة اللئام الحاكمة ليكونوا شهداء على عصرهم بالحق وليس بالباطل
وقد صدق من قال “اذا أكرمت الكريم ملكته واذا أكرمت اللئيم تمرد ” بالرغم من كضم الغيظ وكل ما يحز في النفس يبقى ظلم أهل القربى اشد مظاظة لكن بالنسبة للشعب المغربي قد لا يثنيه ذلك عن عزمه ومضيه من اجل التضحية بكل غال وثمين في سبيل استكمال وحدته الترابية بكل الطرق الممكنة طال الزمن او قصر
بالطبع عندما يصبح الأسلوب الحضاري غير مجد أحيانا وخاصة فيما يتعلق بتصحيح معالم حدودنا مع جيراننا اذا كان تكاملنا ليس ممكنا وحلمنا ببناء صرح المغرب العربي الكبير مستحيلا وليعلم حكام الجزائر الذين يزرعون الأشواك ويعرقلون السير في هذا السبيل بمعارضتهم المغرب في استكمال وحدته الترابية وكأنهم لا يعلمون ان الوحدة الترابية للمغرب خط احمر وهي تعني تدخلا خطيرا في الشئون الداخلية للشعب وستبقى الصحراء الجنوبية جنوبية والشرقية شرقية كلاهما جزءا لا يتجزأ من وحدة المغرب الترابية لا يمكن مقايضة الأولى بالثانية كما يتمنى حكام جارتنا وقد أصبح نذرا على الأجيال لابد من العمل على تسوية وضعيتهما بوسيلة او بأخرى حسب ما تراه ممكنا وبعد ذلك لها حق الاختيار بين بناء ما يسمى صرح المغرب العربي الكبير اوبناء جدار فاصل قد لا يضاهي جدار الصين ولا يشبه جدار إسرائيل ولا يحاكي جدار برلين المنهار وإنما سيدعم بخندق بعرض وعمق مضيق جبل طارق