بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

قد يكون للرفض ما يبرره ،ومبرراته لا تقف عند هذا الحد نظرا لكون المغرب خلال عهد الراحل الحسن الثاني ، الملك العبقري الذي الهم بأفكاره وبعد نظره السياسي والثقافي والفكري معظم قادة العالم ، قد استضاف أكثر من عشر مؤتمرات قمة عربية وإسلامية وافريقية حتى كاد المغرب أن يكون قبلة كل القادة العرب ، الذين يشدون إليه الرحال كل سنة من اجل حضورهم مؤتمرا على غرار بعضها ،أو إحياء ذكرى عيد من أعياد ها التي بات من المفروض على كل القادة والزعماء العرب الاحتفال بطقوسها في أية دولة لغرض الترفيه عن أنفسهم والتمتع بفسحة سياحية مع الإقامة في افخر الفنادق والاقامات الجاهزة في البلد المضيف ،لاشك أن المغرب كان يتميز عن غيره في توفير هذه الإمكانيات التي تكلفه ثمنا غاليا ،وقد استرخصها على حساب الشعب المغربي المضياف من اجل لم الشمل العربي والإسلامي ، والعمل على تضميد الجراح ونبذ الخلافات البينية ،وفي سبيل نهضة تنموية تضمن للشعوب العربية التقدم والازدهار إلا أن شيئا من ذلك قد تحقق .
و قد يستغرق احد هذه المؤتمر أحيانا ثلاثة إلى أربعة أيام ،حيث تطلع علينا في نهايته وسائل الإعلام الرسمية ببلاغ عن نجاح المؤتمر وهو يتضمن عشرات التوصيات ،ثم بعد ذلك يشد القادة والزعماء المؤتمرون والوفود المرافقون لهم الرحال إلى بلدانهم خاليوا الوفاض إلا من أحقاد وضغائن لبعضهم ،فتمر الايام والشهور والسنة ليعلن فيما بعد عن انعقاد مؤتمر اخر دون ان نرى او نسمع عن شيء تحقق من توصيات المؤتمر السابق ،الذي ابلغنا عنه انه كان مؤتمرا ناجحا بكل المقاييس .هكذا الى ان باتت هذه المؤتمرات غير ذي جدوى ولا فائدة ، ثم فقدت مع مرور الزمان مصداقيتها عندما باتت موضع سخرية واستهزاء دول أخرى ،سيما لما أصبح بعض القادة و الزعماء يتراشقون ببذيء الكلام ويوجهون لبعضهم أبشع التهم ،وأحيانا قد وصل الأمر الى حد تحسس احدهم مسدسه في وجه نظيره .
فما كانت هذه المؤتمرات في الواقع لا تزيد قادة العرب الا نفورا وعداءا وشقاقا بينهم وقد حق عليهم قول القائل ” اتفق العرب على ان لا يتفقوا “فإذا كان الملك الحسن الثاني بعد ذلك قرر انسحابه من منضمة الوحدة الإفريقية حيث كان بعضها يغازل الأخر على حساب الوحدة الترابية للمغرب الذي يعتبر احد مؤسسيها مجاملة للزعيمين الثوريين القذافي والهواري باعتبارهما رئيسي دولتين حديثتين غنيتين متشبعين بأفكار ثورية تهدف بالأساس الى إسقاط الأنظمة الملكية في الوطن العربي ،لا لشيء الا ليصبحا إمبراطوريان احدهما يسيطر على أفريقيا الجنوبية ،والأخر على أفريقيا الشمالية .فان كان القدر لم يمهل الهواري فقد أمهل القذافي الذي نصب نفسه كذلك على دول الشرق الإفريقي المتاخم لجمهوريته العظمى ،وقد كانت نزعة أمثال هؤلاء الرؤساء الجدد المتعطشون للرئاسة والتوسع السياسي الذي يميل بهم نحو استعراض القوة
فاذا كان ذلك من الأسباب التي جعلت هذه المؤتمرات العربية والإسلامية والإفريقية الفاشلة دائما تبقى مجرد لقاءات نبلاء من اجل الترفيه والسياحة، وتبادل الخطابات الرنانة وكلمات المجاملة ، رغم ذلك لم يكن الأمر يحضا برضا بعضهم ، وقد يكون مؤتمر مصر الأخير أفاض ألكاس حينما هاجم فيه القذافي الملك السعودي ،بذلك يكون زمن هذه المؤتمرات المكشوفة قد ولى الى غير رجعة ، اذ لا فائدة ترجى من انعقادها وإحياء ذكراها ، ذلك ما أعرب عنه جلالة الملك محمد السادس بفصيح القول وصريح العبارة التي لقيت استحسانا من طرف معظم مثقفي وسياسي ومفكري العالم العربي والإسلامي ،ولكن من سيملك نفس الجرأة ليقول مثل ما قاله الملك محمد السادس في حق الجامعة العربية التي مازالت قائمة منذ عقود طويلة ، وهي تستنزف أموالا طائلة من خزائن الشعوب العربية مقابل لاشيء ،رغم ما تمر به الدول العربية من نكسات متتالية على مدى عشرات السنين الماضية ،وما تعانيه الشعوب العربية من أزمات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية قد أدت بها الى ثورات على الأنظمة الفاسدة ،كل ذلك لم تحرك الجامعة العربية ساكنا حول ما يعانيه الشعب الفلسطيني واللبناني والعراقي واليمني والسوري والليبي والتونسي والباقية تأتي ، فأي دور تلمسه الشعوب العربية للجامعة العربية في هذه المجالات ، فان كانت جل أنظمة هذه الدول قد انهارت فلا مجال من قيام جامعة لدول متفرقة وأنظمة منهارة ،ام كان هناك أي مؤتمر عربي او إسلامي او إفريقي سيقوم بدورها وانجاز ما لم تنجزه على مدى عشرات السنين الماضية ،ويستطيع لم الشمل العربي الممزق وبناء الحضارة العربية المنهارة ، و إيقاف تغلغل الإرهاب الذي يزحف على هذه الدول مهددا امن واستقرار الشعوب ، ام يكون هذا المؤتمر الذي يدعى اليه القادة قد يعالج الوضع السوري والعراقي واليمني وغيرهم ، وقادر على رد زحف التطرف الطائفي وإيقاف المد الإرهابي نحو العالم ،وهل سيلجم هذا المؤتمر أفواه الشعوب التي ملأت بأصواتها الفضاء ،؟ بالطبع لا وألف لا ،إذن فلا مجال من مضيعة الوقت في الهراء والكلام في الخواء ، وقد يكون ملكنا أطال الله عمره على حق من رفضه استضافة مثل هذه المؤتمرات وهو على صواب من امتناعه عن المشاركة ليكون بعمله هذا قد ترجم موقف شعبه ترجمة حرفية