بقلم : عزالدين قدوري
تظل الذكريات جزءا لا يتجزأ من هوية المدن، وتعتبر مدينة تاوريرت، واحدة من تلك الأماكن التي تحمل في طياتها تاريخا طويلا من الحنين إلى الماضي. من بين أبرز هذه الذكريات، كانت سينما الرياض، التي تعد اليوم جزءا من تاريخ المدينة بعد أن أغلقت أبوابها منذ سنوات. وكصحفي معاصر لهذا التاريخ، لا أستطيع إلا أن أتذكر بكل تأثر هذه القاعة التي كانت تمثل مزيجا من الفن والثقافة في قلب المدينة.
لم تكن سينما الرياض مجرد صالة لعرض الأفلام، بل كانت بمثابة مركز ثقافي يجمع بين مختلف الأنشطة الفنية، حيث لعبت دورا محوريا في الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان تاوريرت. كانت هذه القاعة شاهدة على الكثير من الأحداث التي شكلت ذاكرة المدينة، سواء من خلال العروض السينمائية أو من خلال المسرحيات والسهرات الفنية التي كانت تقام فيها. كانت سينما الرياض نقطة التقاء للفنون المختلفة، إذ كانت تستضيف عروض المسرحيات الوافدة من مدن أخرى، مما أضاف لمسة من التنوع الثقافي على المدينة.
– الزمن الجميل:
كانت سينما الرياض في أيامها الذهبية مركزا حيويا، يستقطب كل الفئات العمرية. عندما كانت الأنوار تخفت وتبدأ الشاشة في عرض أولى اللقطات، كان الجمهور يتجمع في صمت انتظارا للعرض، ليعيشوا معا لحظات من السحر والخيال. لكن الأمر لم يقتصر على الأفلام فقط؛ فهذه القاعة كانت أيضا مخصصة لعرض المسرحيات التي كانت تصل من مدن أخرى، حيث كانت العروض المسرحية تتنوع بين الكوميدية، التراجيدية، والتاريخية، وتساهم في إثراء الثقافة المحلية. كان هذا المجال يشكل فرصة لأهالي تاوريرت للاحتكاك بالفن المسرحي من خارج مدينتهم، مما جعل هذه العروض تحظى بقبول كبير من قبل الجمهور.
من جهة أخرى، كانت السهرات الفنية التي تنظم فيها، سواء كانت عروضا موسيقية أو حفلات غنائية، تعد من الفعاليات التي تضيف حيوية وبهجة إلى الحياة الثقافية في المدينة. كانت تلك الأمسيات الفنية مكانا للقاء الأصدقاء والعائلة في جو من الفرح والموسيقى، وأصبح الذهاب إلى هذه السهرات جزءا من الطقوس الاجتماعية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر.
– الإغلاق و الحزن:
لكن مع مرور الزمن، وبسبب تغير أنماط الحياة وظهور وسائل الترفيه الحديثة، بدأت سينما الرياض تواجه تحديات كبيرة. حيث قل الإقبال على العروض السينمائية، وكذلك تراجعت السهرات الفنية والمسرحيات بسبب التكلفة العالية والصيانة المتزايدة للمرافق. ومع تزايد ضغط المنافسة من وسائل الإعلام الحديثة مثل التلفاز والإنترنت، تم إغلاق أبواب سينما الرياض، ليغلق معها فصل من تاريخ مدينة تاوريرت.
لكن رغم هذا الإغلاق، لا تزال الذكريات المتعلقة بهذه القاعة الحية تملأ قلوب أهالي تاوريرت. يتذكرون أيام المسرحيات التي كانت تأخذهم في رحلة من الضحك والدموع، والأمسيات الفنية التي كانت تضج بالموسيقى. لقد كانت سينما الرياض أكثر من مجرد قاعة عرض، بل كانت منصة للفن والإبداع في مدينة تاوريرت.
– النوستالجيا والتحدي المستقبلي:
اليوم، يعيد العديد من سكان المدينة زيارة ذكرياتهم في سينما الرياض. يتذكرون تلك الأيام التي كانوا يستمتعون فيها بمسرحيات كوميدية، عروض موسيقية حية، وفيلما يعكس جزءا من الحياة الثقافية التي عاشوها. لكن مع تطور الزمن، يبقى السؤال:
هل ستعود سينما الرياض إلى الحياة مجددا؟ هل سيعاد إحياؤها لتصبح مركزا ثقافيا يعكس تاريخ المدينة؟ ربما تأتي أجيال جديدة لتحقق ذلك، عبر إنشاء صالات عرض جديدة تضمن استمرارية هذا الموروث الثقافي.
إن ذكريات سينما الرياض لا تقتصر على شاشتها الكبيرة فقط، بل تشمل المسرحيات التي كانت تقدم فيها، السهرات التي كان يعمها الفرح، والأجواء التي كانت تحيي بها المدينة. ورغم أن أبوابها قد أغلقت، فإن روحها لا تزال حية في القلوب، كما تبقى الذكريات خير شاهد على ما قدمته لهذه المدينة التي ستظل مفعمة بالفن والذكريات الجميلة.
بلاغ امني : مستجدات في قضية الشابة ضحية الإجهاض .
هذه هي حقيقة مدينة تاوريرت .. بــدون روتــوش







من كان يعبد هبلا فان هبل قد رحل .....







